>

211
کنز الدعاء المجلد الاول

رَقَبَتي خاضِعَةٌ بَينَ يَدَيكَ لِما جَنَيتُ عَلى‏ نَفسي ، أيا حُبَّةَ قَلبي تَقَطَّعَت مِنّي أسبابُ الخَدائِعِ ، وَاضمَحَلَّ عَنّي كُلُّ باطِلٍ ، وأَسلَمَنِي الخَلقُ ، وأَفرَدَنِي الدَّهرُ ، فَقُمتُ هذَا المَقامَ ، ولَولا ما مَنَنتَ بِهِ عَلَيَّ يا سَيِّدي ، ما قَدَرتُ عَلى‏ ذلِكَ .
اللَّهُمَّ فَكُن غافِراً لِذَنبي ، وراحِماً لِضَعفي ، وعافِياً عَنّي ، فَما أولاكَ بِحُسنِ النَّظَرِ لي ، وبِعِتقي إذ مَلَكتَ رِقّي ، وبِالعَفوِ عَنّي إذ قَدَرتَ عَلَى الاِنتِقامِ مِنّي .
إلهي وسَيِّدي ! أتُراكَ راحِماً تَضَرُّعي ، وناظِراً ذُلَّ مَوقِفي بَينَ يَدَيكَ ، ووَحشَتي مِنَ النّاسِ ، واُنسي بِكَ يا كَريمُ ؟ لَيتَ شِعري أفي غَفَلاتي مُعرِضٌ أنتَ عَنّي ، أم ناظِرٌ إلَيَّ ؟ بَل لَيتَ شِعري كَيفَ أنتَ صانِعٌ بي ولا أشعُرُ ، أتَقولُ - يا مَولايَ - لِدُعائي : نَعَم ، أم تَقولُ : لا ؟
فَإِن قُلتَ : نَعَم ، فَذلِكَ ظَنّي بِكَ ، فَطوبى‏ لي أنَا السَّعيدُ ، طوبى‏ لي أنَا المَغبوطُ ، طوبى‏ لي أنَا الغَنِيُّ ، طوبى‏ لي أنَا المَرحومُ ، طوبى‏ لي أنَا المَقبولُ .
وإن قُلتَ يا مَولايَ - وأَعوذُ بِكَ - : لا ، فَبِغَيرِ ذلِكَ مَنَّتني نَفسي ، فَيا وَيلي ويا عَويلي ، ويا شِقوَتي ويا ذُلّي ، ويا خَيبَةَ أمَلي ، ويا اِنقِطاعَ أجَلي ! لَيتَ شِعري ، ألِلشَّقاءِ وَلَدَتني اُمّي ؟ فَلَيتَها لَم تَلِدني ، بَل لَيتَ شِعري ، ألِلنّارِ رَبَّتني ؟ فَلَيتَها لَم تُرَبِّني .
إلهي ! ما أعظَمَ مَا ابتَلَيتَني بِهِ ، وأَجَلَّ مُصيبَتي ، وأَخيَبَ دُعائي ، وأَقطَعَ رَجائي ، وأَدوَمَ شَقائي إن لَم تَرحَمني .
إلهي ! لَئِن لَم تَرحَم عَبدَكَ ، ومِسكينَكَ وفَقيرَكَ ، وسائِلَكَ وراجِيَكَ ، فَإِلى‏ مَن ، أو كَيفَ ، أو ماذا ، أو مَن أرجو أن يَعودَ عَلَيَّ حينَ تَرفُضُني ؟ يا واسِعَ المَغفِرَةِ ، إلهي ! فَلا تَمنَعُكَ كَثرَةُ ذُنوبي ، وخَطاياي ومَعاصِيَّ ، وإسرافي عَلى‏ نَفسي ، وَاجتِرائي عَلَيكَ ، ودُخولي فيما حَرَّمتَ عَلَيَّ أن تَعودَ بِرَحمَتِكَ عَلى‏ مَسكَنَتي ، وبِصَفحِكَ الجَميلِ عَلى‏ إساءَتي ، وبِغُفرانِكَ القَديمِ عَلى‏ عَظيمِ جُرمي ، فَإِنَّكَ تَعفو عَنِ المُسي‏ءِ ، وأَ نَا - يا سَيِّدِي -


کنز الدعاء المجلد الاول
210

وحَفِظتَني وكَنَفتَني وكَفَيتَني ، ودافَعتَ عَنّي وقَوَّيتَ ، فَتَظاهَرَت نِعَمُكَ عَلَيَّ ، وتَمَّ إحسانُكَ إلَيَّ ، وكَمُلَ مَعروفُكَ لَدَيَّ ، بَلَوتَ خَبَري ، فَظَهَرَ لَكَ قِلَّةُ شُكري ، وَالجُرأَةُ عَلَيكَ مِنّي ، مَعَ العِصيانِ لَكَ ، فَحَلُمتَ عَنّي ، ولَم تُؤاخِذني بِجَريرَتي ، ولَم تَهتِك سِتري ، ولَم تُبدِ لِلمَخلوقينَ عَورَتي ، بَل أخَّرتَني ومَهَّلتَني وأَنقَذتَني ، فَأَنَا أتَقَلَّبُ في نَعمائِكَ ، مُقيمٌ عَلى‏ مَعاصيكَ ، اُكاتِمُ بِها مِنَ العاصينَ وأَنتَ مُطَّلِعٌ عَلَيها مِنّي ، كَأَنَّكَ أهوَنُ المُطَّلِعينَ عَلى‏ قَبيحِ عَمَلي ، وكَأَنَّهُم مُحاسِبونَ عَلَيها دونَكَ .
يا إلهي ! فَأَيَّ نِعَمِكَ أشكُرُ ؟ مَا ابتَدَأتَني مِنها بِلَا استِحقاقٍ ، أو حِلمَكَ عَنّي بِإِدامَةِ النِّعَمِ ، وزِيادَتَكَ إيّايَ كَأَنّي مِنَ المُحسِنينَ الشّاكِرينَ ، ولَستُ مِنهُم !
إلهي ! فَلَم يَنقَضِ عَجَبي مِن نَفسي ، ومِن أيِّ اُموري كُلِّها لا أعجَبُ ؟ مِن رَغبَتي عَن طاعَتِكَ عَمداً ، أو مِن تَوَجُّهي إلى‏ مَعصِيَتِكَ قَصداً ، أو مِن عُكوفي عَلَى الحَرامِ بِما لَو كانَ حَلالاً لَما أقنَعَني ! فَسُبحانَكَ ما أظهَرَ حُجَّتَكَ عَلَيَّ ، وأَقدَمَ صَفحَكَ عَنّي ، وأَكرَمَ عَفوَكَ عَمَّنِ استَعانَ بِنِعمَتِكَ عَلى‏ مَعصِيَتِكَ ، وتَعَرَّضَ لَكَ عَلى‏ مَعرِفَتِهِ بِشِدَّةِ بَطشِكَ ، وصَولَةِ سُلطانِكَ ، وسَطوَةِ غَضَبِكَ .
إلهي ! ما أشَدَّ استِحقاقي لِعَذابِكَ إذ بالَغتُ في إسخاطِكَ ، وأَطَعتُ الشَّيطانَ ، وأَمكَنتُ هَوايَ مِن عِناني ، وسَلِسَ لَهُ قِيادي ، فَلَم أعصِ الشَّيطانَ ولا هَوايَ رَغبَةً في رِضاكَ ، ولا رَهبَةً مِن سَخَطِكَ ، فَالوَيلُ لي مِنكَ ثُمَّ الوَيلُ ، اُكثِرُ ذِكرَكَ فِي الضَّرّاءِ وأَغفُلُ عَنهُ فِي السَّرّاءِ ، وأَخِفُّ في مَعصِيَتِكَ ، وأَثّاقَلُ عَن طاعَتِكَ ، مَعَ سُبوغِ نِعمَتِكَ عَلَيَّ ، وحُسنِ بَلائِكَ لَدَيَّ ، وقِلَّةِ شُكري ، بَل لا صَبرَ لي عَلى‏ بَلاءٍ ، ولا شُكرَ لي عَلى‏ نَعماءٍ .
إلهي ! فَهذا ثَنائي عَلى‏ نَفسي ، وعِلمُكَ بِما حَفِظتَ ونَسيتُ ، ومَا استَكَنَّ في ضَميري مِمّا قَدُمَ بِهِ عَهدي وحَدَثَ ، مِن كَبائِرِ الذُّنوبِ وعَظائِمِ الفَواحِشِ الَّتي جَنَيتُها ، أكثَرُ مِمّا نَطَقَ بِهِ لِساني ، وأَتَيتُ بِهِ عَلى‏ نَفسي .
إلهي ! وها أنَا ذا بَينَ يَدَيكَ ، مُعتَرِفٌ لَكَ بِخَطايايَ ، وهاتانِ يَدايَ سِلمٌ لَكَ ، وهذِهِ

  • نام منبع :
    کنز الدعاء المجلد الاول
تعداد بازدید : 78434
صفحه از 579
پرینت  ارسال به