أرَدتَ ؛ حَمداً لا يُحجَبُ عَنكَ ، ولا يُقصَرُ دُونَكَ ؛ حَمداً لا يَنقَطِعُ عَدَدُهُ ، ولا يَفنى مَدَدُهُ .
فَلَسنا نَعلَمُ كُنهَ عَظَمَتِكَ ، إلّا أنّا نَعلَمُ أنَّكَ حَيٌّ قَيّومٌ ، لا تَأخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَومٌ . لَم يَنتَهِ إلَيكَ نَظَرٌ ، ولم يُدرِككَ بَصَرٌ . أدرَكتَ الأَبصارَ ، وأَحصَيتَ الأعمالَ ۱ ، وأَخَذتَ بِالنَّواصي وَالأَقدامِ .
ومَا الَّذي نَرى مِن خَلقِكَ ، ونَعجَبُ لَهُ مِن قُدرَتِكَ ، ونَصِفُهُ مِن عَظيمِ سُلطانِكَ ! وما تَغَيَّبَ عَنّا مِنهُ ، وقَصُرَت أبصارُنا عَنهُ ، وَانتَهَت عُقولُنا دونَهُ ، وحالَت سُتورُ الغُيوبِ بَينَنا وبَينَهُ أعظَمُ .
فَمَن فَرَّغَ قَلبَهُ وأَعمَلَ فِكرَهُ ؛ لِيَعلَمَ كَيفَ أقَمتَ عَرشَكَ ، وكَيفَ ذَرَأتَ خَلقَكَ ، وكَيفَ عَلَّقتَ فِي الهَواءِ سَماواتِكَ ، وكَيفَ مَدَدتَ عَلى مَورِ ۲ الماءِ أرضَكَ ، رَجَعَ طَرفُهُ حَسيراً ۳ ، وعَقلُه مَبهوراً ، وسَمعُهُ والِهاً ، وفِكرُهُ حائِراً . ۴
۱۴۹.عنه عليه السلام :
الحَمدُ للَّهِِ أوَّلَ مَحمودٍ ، وآخِرَ مَعبودٍ ، وأَقرَبَ مَوجودٍ ، البَديءِ ۵ بِلا مَعلومٍ لِأَزَلِيَّتِهِ ، ولا آخِرٍ لِأَوَّلِيَّتِهِ ، وَالكائِنِ قَبلَ الكَونِ بِغَيرِ كِيانٍ ، وَالمَوجودِ في كُلِّ مَكانٍ بِغَيرِ عَيانٍ ، وَالقَريبِ مِن كُلِّ نَجوى بِغَيرِ تَدانٍ ، عَلَنَت عِندَهُ الغُيوبُ ، وضَلَّت في عَظَمَتِهِ القُلوبُ ، فَلَا الأَبصارُ تُدرِكُ عَظَمَتَهُ ، ولَا القُلوبُ - عَلَى احتِجابِهِ - تُنكِرُ مَعرِفَتَهُ ، تَمَثَّلَ فِي القُلوبِ بِغَيرِ مِثالٍ تَحُدُّهُ الأَوهامُ ، أو تُدرِكُهُ الأَحلامُ ، ثُمَّ جَعَلَ مِن نَفسِهِ دَليلاً عَلى تَكَبُّرِهِ عَنِ الضِّدِّ وَالنِّدِّ وَالشِّكلِ وَالمِثلِ ، فَالوَحدانِيَّةُ آيَةُ الرُّبوبِيَّةِ ، وَالمَوتُ الآتي عَلى خَلقِهِ مُخبِرٌ عَن
1.في نسخة : «الأعمار» .
2.المَوْر : المَوْج ، والاضطراب ، والتحرُّك (تاج العروس : ج ۷ ص ۴۹۶ «مور») .
3.حَسَر بصرُه : أي كَلَّ وانقطع نظرُه من طول مدىً وما أشبه ذلك ، فهو حسير (لسان العرب : ج ۴ ص ۱۸۸ «حسر») .
4.نهج البلاغة : الخطبة ۱۶۰ .
5.البديءُ : الأوّل (الصحاح : ج ۱ ص ۳۵ «بدأ») .