>

99
کنز الدعاء المجلد الاول

خَلقِهِ وقُدرَتِهِ ، ثُمَّ خَلقُهُم مِن نُطفَةٍ - ولَم يَكونوا شَيئاً - دَليلٌ عَلى‏ إعادَتِهِم خَلقاً جَديداً بَعدَ فَنائِهِم كَما خَلَقَهُم أوَّلَ مَرَّةٍ .
وَالحَمدُ للَّهِ‏ِ رَبِّ العالَمينَ ، الَّذي لَم يَضُرَّهُ بِالمَعصِيَةِ المُتَكَبِّرونَ ، ولَم يَنفَعهُ بِالطّاعَةِ المُتَعَبِّدونَ ، الحَليمِ عَنِ ۱ الجَبابِرَةِ المُدَّعينَ ، وَالمُمهِلِ الزّاعِمينَ لَهُ شَريكاً في مَلَكوتِهِ ، الدّائِمِ في سُلطانِهِ بِغَيرِ أمَدٍ ، وَالباقي في مُلكِهِ بَعدَ انقِضاءِ الأَبَدِ ، وَالفَردِ الواحِدِ الصَّمَدِ ، وَالمُتَكَبِّرِ عَنِ الصّاحِبَةِ وَالوَلَدِ ، رافِعِ السَّماءِ بِغَيرِ عَمَدٍ ، ومُجرِي السَّحابِ بِغَيرِ صَفَدٍ ۲ ، قاهِرِ الخَلقِ بِغَيرِ عَدَدٍ ، لكِنِ اللَّهُ الأَحَدُ الفَردُ الصَّمَدُ ، الَّذي لَم يَلِد ولَم يولَد ، ولَم يَكُن لَهُ كُفُواً أحَدٌ .
وَالحَمدُ للَّهِ‏ِ الَّذي لَم يَخلُ مِن فَضلِهِ المُقيمونَ عَلى‏ مَعصِيَتِهِ ، ولَم يُجازِهِ - لِأَصغَرِ نِعَمِهِ - المُجتَهِدونَ في طاعَتِهِ ، الغَنِيِّ الَّذي لا يَضِنُّ بِرِزقِهِ عَلى‏ جاحِدِهِ ، ولا يَنقُصُ عَطاياهُ أرزاقُ خَلقِهِ ، خالِقِ الخَلقِ ومُفنيهِ ، ومُعيدِهِ ومُبديهِ ومُعافيهِ ، عالِمِ ما أكَنَّتهُ ۳ السَّرائِرُ وأَخبَتهُ الضَّمائِرُ ، وَاختَلَفَت بِهِ الأَلسُنُ ، وأَنسَتهُ الأَزمُنُ ، الحَيِّ الَّذي لا يَموتُ ، وَالقَيّومِ الَّذي لا يَنامُ ، وَالدّائِمِ الَّذي لا يَزولُ ، وَالعَدلِ الَّذي لا يَجورُ ، وَالصّافِحِ عَنِ الكَبائِرِ بِفَضلِهِ ، وَالمُعَذِّبِ مَن عَذَّبَ بِعَدلِهِ ، لَم يَخَفِ الفَوتَ فَحَلُمَ ، وعَلِمَ الفَقرَ فَرَحِمَ ، وقالَ في مُحكَمِ كِتابِهِ : (وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَى‏ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ)۴ .
أحمَدُهُ حَمداً أستَزيدُهُ في نِعمَتِهِ ، وأَستَجيرُ بِهِ مِن نَقِمَتِهِ ، وأَتَقَرَّبُ إلَيهِ بِالتَّصديقِ لِنَبِيِّهِ ، المُصطَفى‏ لِوَحيهِ ، المُتَخَيِّرِ لِرِسالَتِهِ ، المُختَصِّ بِشَفاعَتِهِ ، القائِمِ بِحَقِّهِ ، مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وآلِهِ ، وعَلى‏ أصحابِهِ وعَلَى النَّبِيّينَ وَالمُرسَلينَ وَالمَلائِكَةِ أجمَعينَ وسَلَّمَ تَسليماً .

1.في المصدر : «على» ، وما في المتن اُثبت من المصادر الاُخرى .

2.الصَفَدُ : القُيودُ والأغلال ، الوِثاقُ (مجمع البحرين : ج ۲ ص ۱۰۳۵ «صفد») .

3.تَكُنُّ : أي تُخفي (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۵۹۹ «كنن») .

4.فاطر : ۴۵ .


کنز الدعاء المجلد الاول
98

أرَدتَ ؛ حَمداً لا يُحجَبُ عَنكَ ، ولا يُقصَرُ دُونَكَ ؛ حَمداً لا يَنقَطِعُ عَدَدُهُ ، ولا يَفنى‏ مَدَدُهُ .
فَلَسنا نَعلَمُ كُنهَ عَظَمَتِكَ ، إلّا أنّا نَعلَمُ أنَّكَ حَيٌّ قَيّومٌ ، لا تَأخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَومٌ . لَم يَنتَهِ إلَيكَ نَظَرٌ ، ولم يُدرِككَ بَصَرٌ . أدرَكتَ الأَبصارَ ، وأَحصَيتَ الأعمالَ ۱ ، وأَخَذتَ بِالنَّواصي وَالأَقدامِ .
ومَا الَّذي نَرى‏ مِن خَلقِكَ ، ونَعجَبُ لَهُ مِن قُدرَتِكَ ، ونَصِفُهُ مِن عَظيمِ سُلطانِكَ ! وما تَغَيَّبَ عَنّا مِنهُ ، وقَصُرَت أبصارُنا عَنهُ ، وَانتَهَت عُقولُنا دونَهُ ، وحالَت سُتورُ الغُيوبِ بَينَنا وبَينَهُ أعظَمُ .
فَمَن فَرَّغَ قَلبَهُ وأَعمَلَ فِكرَهُ ؛ لِيَعلَمَ كَيفَ أقَمتَ عَرشَكَ ، وكَيفَ ذَرَأتَ خَلقَكَ ، وكَيفَ عَلَّقتَ فِي الهَواءِ سَماواتِكَ ، وكَيفَ مَدَدتَ عَلى‏ مَورِ ۲ الماءِ أرضَكَ ، رَجَعَ طَرفُهُ حَسيراً ۳ ، وعَقلُه مَبهوراً ، وسَمعُهُ والِهاً ، وفِكرُهُ حائِراً . ۴

۱۴۹.عنه عليه السلام :
الحَمدُ للَّهِ‏ِ أوَّلَ مَحمودٍ ، وآخِرَ مَعبودٍ ، وأَقرَبَ مَوجودٍ ، البَدي‏ءِ ۵ بِلا مَعلومٍ لِأَزَلِيَّتِهِ ، ولا آخِرٍ لِأَوَّلِيَّتِهِ ، وَالكائِنِ قَبلَ الكَونِ بِغَيرِ كِيانٍ ، وَالمَوجودِ في كُلِّ مَكانٍ بِغَيرِ عَيانٍ ، وَالقَريبِ مِن كُلِّ نَجوى‏ بِغَيرِ تَدانٍ ، عَلَنَت عِندَهُ الغُيوبُ ، وضَلَّت في عَظَمَتِهِ القُلوبُ ، فَلَا الأَبصارُ تُدرِكُ عَظَمَتَهُ ، ولَا القُلوبُ - عَلَى احتِجابِهِ - تُنكِرُ مَعرِفَتَهُ ، تَمَثَّلَ فِي القُلوبِ بِغَيرِ مِثالٍ تَحُدُّهُ الأَوهامُ ، أو تُدرِكُهُ الأَحلامُ ، ثُمَّ جَعَلَ مِن نَفسِهِ دَليلاً عَلى‏ تَكَبُّرِهِ عَنِ الضِّدِّ وَالنِّدِّ وَالشِّكلِ وَالمِثلِ ، فَالوَحدانِيَّةُ آيَةُ الرُّبوبِيَّةِ ، وَالمَوتُ الآتي عَلى‏ خَلقِهِ مُخبِرٌ عَن

1.في نسخة : «الأعمار» .

2.المَوْر : المَوْج ، والاضطراب ، والتحرُّك (تاج العروس : ج ۷ ص ۴۹۶ «مور») .

3.حَسَر بصرُه : أي كَلَّ وانقطع نظرُه من طول مدىً وما أشبه ذلك ، فهو حسير (لسان العرب : ج ۴ ص ۱۸۸ «حسر») .

4.نهج البلاغة : الخطبة ۱۶۰ .

5.البدي‏ءُ : الأوّل (الصحاح : ج ۱ ص ۳۵ «بدأ») .

  • نام منبع :
    کنز الدعاء المجلد الاول
تعداد بازدید : 78441
صفحه از 579
پرینت  ارسال به