بازداشت - صفحه 34

۰.4427.تفسير القمّي : الإمامُ الصّادقُ عليه السلام - لَمّا سألَهُ حَمّادٌ عن لُقمانَ وحِكمَتِهِ - : أما واللَّهِ ما اُوتِيَ لُقمانُ الحِكمَةَ بِحَسَبٍ ولا مالٍ ولا أهلٍ ولا بَسطٍ في جِسمٍ ولا جَمالٍ.
ولكنّهُ كانَ رجُلاً قَويّاً في أمرِ اللَّهِ ، مُتَوَرِّعاً في اللَّهِ ، ساكِتاً سَكِيناً ، عَميقَ النَّظَرِ ، طَويلَ الفِكَرِ ، حَديدَ النَّظَرِ ، مُستَعبِراً بالعِبَرِ ، لَم يَنَمْ نَهاراً قَطُّ ، ولَم يَرَهُ أحَدٌ مِن النّاسِ على‏ بَولٍ ولا غائطٍ ولا اغتِسالٍ لشِدَّةِ تَسَتُّرِهِ وعُمقِ نَظَرِهِ وتَحَفُّظِهِ في أمرِهِ ، ولَم يَضحَكْ مِن شي‏ءٍ قَطُّ مَخافَةَ الإثمِ ، ولم يَغضَبْ قَطُّ ، ولَم يُمازِحْ إنساناً قَطُّ ، ولَم يَفرَحْ بشي‏ءٍ إنْ أتاهُ مِن أمرِ الدُّنيا ولا حَزَنَ مِنها على‏ شي‏ءٍ قَطُّ ، وقَد نَكَحَ مِن النِّساءِ ووُلِدَ لَهُ مِن الأولادِ الكَثيرَةُ ، وقَدَّمَ أكثَرَهُم أفراطاً فما بَكى‏ على‏ مَوتِ أحَدٍ مِنهُم ، ولَم يَمُرَّ برجُلَينِ يَختَصِمانِ أو يَقتَتِلانِ إلّا أصلَحَ بينَهُما ولَم يَمضِ عَنهُما حتّى‏ يُحابّا۱ ، ولَم يَسمَعْ قَولاً قَطُّ مِن أحَدٍ استَحسَنَهُ إلّا سألَ عن تَفسيرِهِ وعمَّن أخَذَهُ ، وكانَ يُكثِرُ مُجالَسَةَ الفُقَهاءِ والحُكَماءِ، وكانَ يَغشَى القُضاةَ والمُلوكَ والسَّلاطينَ فيَرثي للقُضاةِ ما ابتُلوا بهِ ، ويَرحَمُ للمُلوكِ والسَّلاطينِ لعِزَّتِهِم باللَّهِ وطُمأنينَتِهِم في ذلكَ ، ويَعتَبِرُ ويَتَعَلّمُ ما يَغلِبُ بهِ نَفسَهُ ويجُاهِدُ بهِ هَواهُ ويَحتَرِزُ بهِ مِن الشَّيطانِ ، فكانَ يُداوي قَلبَهُ بالفِكَرِ ، ويُداوي نفسَهُ بالعِبَرِ ، وكانَ لايَظعَنُ إلّا فيما يَنفَعُهُ ؛ فبِذلكَ اُوتِيَ الحِكمَةَ ومُنِحَ العِصمَةَ .
فإنّ اللَّهَ تباركَ وتعالى‏ أمَرَ طَوائفَ مِن المَلائكةِ حِينَ انتَصَفَ النَّهارُ وهَدَأتِ العُيونُ بالقائلَةِ فنادَوا لُقمانَ حيثُ يَسمَعُ ولا يَراهُم فقالوا : يا لُقمانُ ، هَل لَكَ أن يَجعَلَكَ اللَّهُ خَليفَةً في الأرضِ تَحكُمُ بينَ النّاسِ ؟ فقالَ لُقمانُ : إنْ أمَرَني اللَّهُ بذلكَ فالسَّمعُ والطّاعَةُ ؛ لأنّهُ إنْ فَعَلَ بِي ذلكَ أعانَني علَيهِ وعَلَّمَني وعَصَمَني ، وإنْ هُو خَيَّرني قَبِلتُ العافِيَةَ .
فقالَتِ المَلائكةُ : يا لُقمانُ ، لِمَ قُلتَ *ذلكَ ؟ قالَ: لأ نّ الحُكمَ بينَ النّاسِ مِن أشَدِّ المَنازِلِ مِن الدِّينِ وأكثَرِها فِتَناً وبَلاءً ما يَخذُلُ ولا يُعانُ ويَغشاهُ الظُّلمُ مِن كلِّ مَكانٍ ، وصاحِبُهُ فيهِ بَين أمرَينِ ؛ إنْ أصابَ فيه الحَقَّ فبالحَرِيِّ أن يَسلَمَ ، وإن أخطأَ أخطأَ طَريقَ الجَنّةِ ، ومَن يَكُن في الدُّنيا ذَليلاً وضَعيفاً كانَ أهوَنَ علَيهِ في المَعادِ أن يكونَ فيهِ حَكَماً سَرِيّاً شَريفاً ، ومَنِ اختارَ الدُّنيا علَى الآخِرَةِ يَخسَرْهُما كِلتَيهِما تَزولُ هذهِ ولا تُدرَكُ تلكَ .
قالَ: فتَعَجَّبَتِ المَلائكةُ مِن حِكمَتِهِ واستَحسَنَ الرّحمنُ مَنطِقَهُ ، فلَمّا أمسى‏ وأخَذَ مَضجَعَهُ مِن اللّيلِ أنزَلَ اللَّهُ علَيهِ الحِكمَةَ فغَشّاهُ بها مِن قَرنِهِ إلى‏ قَدَمِهِ وهُو نائمٌ وغَطّاهُ بالحِكمَةِ غِطاءً ، فاستَيقَظَ وهُو أحكَمُ النّاسِ في زَمانهِ ، وخَرَجَ علَى النّاسِ يَنطِقُ بالحِكمَةِ ويُثبِتُها فيها .
قالَ : فلَمّا اُوتِيَ الحُكمَ بالخِلافَةِ ولَم يَقبَلْها ، أمَرَ اللَّهُ المَلائكةَ فنادَت داوودَ بالخِلافَةِ فقَبِلَها ولَم يَشتَرِطْ فيها بشَرطِ لُقمانَ ، فأعطاهُ اللَّهُ الخِلافَةَ في الأرضِ وابتُلِيَ فيها غَيرَ مَرّةٍ ، وكلُّ ذلكَ يَهوي في الخَطاَ يَقبَلُهُ اللَّهُ ويَغفِرُ لَهُ ، وكانَ لُقمانُ يُكثِرُ زيارَةَ داوودَ عليه السلام ويَعِظُهُ بمَواعِظِهِ وحِكمَتِه وفَضلِ عِلمِهِ ، وكانَ داووُد يَقولُ لَهُ : طُوبى‏ لكَ يا لُقمانُ ! اُوتِيتَ الحِكمَةَ وصُرِفَت عنكَ البَلِيَّةُ ، واُعطِيَ داوودُ الخِلافَةَ وابتُلِيَ بالحُكمِ والفِتنَةِ .
ثُمّ قالَ أبو عبدِاللَّهِ عليه السلام: (وإذْ قَالَ لُقْمانُ لابنِهِ وهُوَ يَعِظُهُ يابُنَيَّ لا تُشْرِكْ باللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ)۲، قالَ : فوَعَظَ لُقمانُ لابنِهِ بآثارٍ حتّى‏ تَفَطّرَ وانشَقَّ .
وكانَ فيما وَعَظَهُ بهِ - يا حَمّادُ - أن قالَ : يابُنَيَّ، إنّكَ مُنذُ سَقَطتَ إلَى الدُّنيا استَدبَرتَها واستَقبَلتَ الآخِرَةَ ، فدارٌ أنتَ إلَيها تَسيرُ أقرَبُ إلَيكَ مِن دارٍ أنتَ عَنها مُتَباعِدٌ . يا بُنَيَّ جالِسِ العُلَماءَ وزاحِمْهُم برُكبَتَيكَ ، لا تُجادِلْهُم فيَمنَعوكَ ، وخُذْ مِن الدُّنيا بَلاغاً ولا تَرفُضْها فتَكونَ عِيالاً علَى النّاسِ ، ولا تَدخُلْ فيها دُخولاً يُضِرُّ بآخِرَتِكَ ، *وصُمْ صَوماً يَقطَعُ شَهوَتَكَ ، ولا تَصُمْ صَوماً يَمنَعُكَ مِن الصَّلاةِ ؛ فإنّ الصَّلاةَ أحَبُّ إلَى اللَّهِ مِن الصِّيامِ .
يا بُنَيَّ ، إنّ الدُّنيا بَحرٌ عَميقٌ قد هَلَكَ فيها عالَمٌ كثيرٌ ؛ فاجعَلْ سَفينَتَكَ فيها الإيمانَ ، واجعَلْ شِراعَها التَّوكُّلَ ، واجعَلْ زادَكَ فيها تَقوَى اللَّهِ ، فإنْ نَجَوتَ فبِرحمَةِ اللَّهِ ، وإنْ هَلَكتَ فبِذُنوبِكَ .
يابُنيَّ ، إنْ تأدَّبتَ صَغيراً انتَفَعتَ بهِ كبيراً ، ومَن غَنِيَ بالأدَبِ اهتَمَّ بهِ ، ومَنِ اهتَمَّ بهِ تَكلَّفَ عِلمَهُ ، ومَن تَكلَّفَ عِلمَهُ اشتَدَّ طَلَبُهُ ، ومَنِ اشتَدَّ طَلَبُهُ أدرَكَ مَنفَعتَهُ ، فاتّخِذْهُ عادَةً فإنّكَ تَخلفُ في سَلَفِكَ ، وتَنفَعُ بهِ مَن خَلفَكَ ، ويَرتَجيكَ فيهِ راغِبٌ ، ويَخشى‏ صَولَتَكَ راهِبٌ . وإيّاكَ والكَسَلَ عنهُ والطَّلَبَ لغَيرِهِ ، فإنْ غُلِبتَ علَى الدّنيا فلا تُغلَبَنَّ علَى الآخِرَةِ ، وإذا فاتَكَ طَلَبُ العِلمِ في مَظانِّهِ فقد غُلِبتَ علَى الآخِرَةِ ، واجعَلْ في أيّامِكَ ولَيالِيكَ وساعاتِكَ لنفسِكَ نَصيباً في طَلَبِ العِلمِ ؛ فإنّكَ لَن تَجِدَ لَهُ تَضييعاً أشَدَّ مِن تَركِهِ ، ولا تُمارِيَنَّ فيهِ لَجُوجاً ، ولا تُجادِلَنَّ فَقيهاً ، ولا تُعادِيَنَّ سُلطاناً ، ولا تُماشِيَنَّ ظَلُوماً ولا تُصادِقَنَّهُ ، ولا تُصاحِبَنَّ فاسِقاً نَطِفاً۳ ، ولا تُصاحِبَنَّ مُتَّهَماً ، واخزِنْ عِلمَكَ كما تَخزِنُ وَرقَكَ .۴
يا بُنَيَّ ، خَفِ اللَّهَ خَوفاً لو أتَيتَ القِيامَةَ ببِرِّ الثّقلَينِ خِفتَ أن يُعَذِّبَكَ ، وارْجُ اللَّهَ رَجاءً لَو وافَيتَ القِيامَةَ بإثمِ الثّقلَينِ رَجَوتَ أن يَغفِرَ لكَ .
فقالَ لَهُ ابنُهُ : يا أبتِ ، كيفَ اُطيقُ هذا وإنّما لي قَلبٌ واحِدٌ ؟ فقالَ لَهُ لُقمانُ : يا بُنَيَّ لوِ استُخرِجَ قَلبُ المؤمنِ فشُقَّ لَوُجِدَ فيهِ نُورانِ : نُورٌ للخَوفِ ونُورٌ للرَّجاءِ۵ ، لَو وُزِنا لَما رَجَحَ أحَدُهُما علَى الآخَرِ بمِثقالِ ذَرَّةٍ ، فمَن يُؤمِنْ باللَّهِ يُصَدِّقْ ما قالَ اللَّهُ ، ومَن يُصَدِّقْ ما قالَ اللَّهُ يَفعَلْ ما أمَرَ اللَّهُ ، *ومَن لَم يَفعَلْ ما أمَرَ اللَّهُ لَم يُصَدِّقْ ما قالَ اللَّهُ ، فإنَّ هذهِ الأخلاقَ تَشهَدُ بَعضُها لبَعضٍ .
فمَن يُؤمِنْ باللَّهِ إيماناً صادِقاً يَعمَلْ للَّهِ خالِصاً ناصِحاً ، ومَن عَمِلَ للَّهِ خالِصاً ناصِحاً فقد آمَنَ باللَّهِ صادِقاً ، ومَن أطاعَ اللَّهَ خافَهُ ، ومَن خافَهُ فقد أحَبَّهُ ، ومَن أحَبَّهُ اتّبَعَ أمرَهُ ، ومَنِ اتَّبَعَ أمرَهُ استَوجَبَ جَنَّتَهُ ومَرضاتَهُ ، ومَن لَم يَتَّبِعْ رِضوانَ اللَّهِ فَقد هانَ علَيهِ سَخَطُهُ ، نَعوذُ باللَّهِ مِن سَخَطِ اللَّهِ .
يا بُنَيَّ ، لا تَركَنْ إلَى الدُّنيا ولا تَشغَلْ قَلبَكَ بها، فما خَلَقَ اللَّهُ خَلقاً هُوَ أهوَنُ علَيهِ مِنها ، ألا تَرى‏ أ نّهُ لَم يَجعَلْ نَعيمَها ثَواباً للمُطِيعينَ ، ولَم يَجعَلْ بَلاءَها عُقوبَةً للعاصِينَ ؟ !۶

1.في بحار الأنوار : ۱۳/۴۱۰ «حتى تَحاجَزا» وهو الأنسب .

2.لقمان : ۱۳ .

3.نَطِفَ الرجلُ : إذا اتُّهِمَ بريبةٍ ، ونَطِف الشي‏ء : أي فسد (الصحاح : ۴/۱۴۳۴) .

4.الوَرْقُ : الدراهم المضروبة ، وفي الوَرْق ثلاث لغات : وَرِق وَوِرْق وَوَرَق (الصحاح : ۴/۱۵۶۴) .

5.في المصدر: «لوجد فيه نورين : نوراً للخوف ونوراً للرجاء» والصحيح ما أثبتناه .

6.تفسير القمّي : ۲/۱۶۲ .

صفحه از 66