الكفاية في علم الدرايه - صفحه 317

فعجبتُ أن اُظهر في الرسالة ما يَتذكّر به مَن تَذكّر ، وما توفيقي إلاّ باللّه ـ عزّ اسمه ـ .
[12 ـ] وأمّا التقيّة فمعظم موردها الأحكام ، ولا بدّ أن يراعى فيها البلد والزمان وسلطان العصر والفقيه الذي اشتهرت آراؤه فيه ، بل لا بدّ أن يراعى معظم العامّة وما هم إليه أمْيَل وإن كان خلافه مشهوراً أيضاً ، كما هم الآن كذلك بالنسبة إلى رأي أبي حنيفة نعمان بن ثابت بن زرطي الكوفي ، وغير ذلك ممّا بيّنّاه في ترجيح المقابيس على طوله . وهل ينحصر التقيّة في موافقة العامّة أو لا ، بل يكون بالمخالفة أيضاً؟ صريح المحدّث البحراني في مقدّمات الحدائق الثاني ۱ ، وظاهر المعظم بل الكلّ الأوّلُ ، والأظهر عندي صحّة ما ذهب إليه البحراني ، وقد جمعت أخباراً وآثاراً كثيرة تدلّ على مطلبه ، مع أنّ العقل أيضاً ربما يحكم بها ، لكن لابدّ أن يعلم أنّها لاتتأدّى بالمخالفة الصرفة بل المخالفات . وهذا الوجه أيضاً من وجوه إخفاء الواقع ، لكنّه مندرج في التقيّة ، فلذا أشرنا إليه في طيّ المقال فيه على الجملة ، ومن رام التفصيل فعليه بكتابنا المقابيس؛ فإنّه الكامل الكافل لذلك ومثله .
ثمّ اعلم أنَّ القوم ذكروا أنّ حكم الأخبار المختلفة أن يجمع بينها حيث يمكن الجمع ، وعن الشهيد أنّ الجمع واجب ولو بوجهٍ بعيدٍ ، وكذلك ثاني الشهيدين ؛ فإنّه ذكر في طيّ قاعدة الجمع كتباً بنيت على ذلك ؛ منها الاستبصار لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، ويعطي ذلك ما حكي عن غوالي اللئالي للشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي أنّه قال ما لفظه : «كلّ حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك أوّلاً البحث عن معناهما وكيفيّات دلالات ألفاظهما ، فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل والدلالات فاحرص عليه واجتهد في تحصيله ؛ فإنّ العمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك أحدهما وتعطيله بإجماع العلماء ، وإذا لم تتمكّن من ذلك أو لم يظهر لك وجه فارجع إلى العمل بهذا

1.حدائق الناظرة للشيخ يوسف البحراني الجلد الأوّل المقدمة الأولى .

صفحه از 400