الخوض في لجج تيّاره ، إلاّ من كان [له] سفينة لهذا البحر القمقام الزاخر ، وكان ممّن وهبه اللّه بفضله الملكة الراسخة والسليقة المستقيمة . وقَلَّ ما يتّفق أن يتّفق مسابقان في حَلبة واحدة ؛ إذ المراتب متشتّتة ، والأذهان مختلفة ، وقد يجد من لا تحصيل له من نفسه الترجيح ، وهو ظنٌّ كظنّ العوام البحت ، ومع ذلك يُغشى على بصره فيحسب أنّه مستنبط ، مع أنّ الإنسان على نفسه بصيرة؛ «كبرت كلمةً تخرج من أفواههم» ، فمن ادّعى هذه الصناعة ولم يكن من أهلها فليستعدَّ للخصام يوم يقوم الناس لربّ العالمين! ولكنّ الأهواء مردية ، والملكات الرديّة مهلكة . عصمنا اللّه من شرور هذه الفرقة ، وقطع اللّه أثرهم؛ إنّه القادر على ذلك .
الثامن عشر : الناسخ والمنسوخ ، ويراد بالأوّل كلّ حديث دلّ على رفع حكمٍ شرعي ظاهر في التأبيد ، فخرج الأخبار المثبتة للتكليف ؛ إذ ليس في مقابلها سوى أصالتي الإباحة والبراءة وليستا بحكمٍ شرعيٍّ ، وإنّما هما أصلان عقليان ، ولو جعلنا هما شرعيين نظراً إلى أمر العقل بالاحتياط ، فالدليل الوارد في مقابلها رافع للموضوع ؛ لأنّهما حكمان بالنسبة إلى الجاهل الشاكّ دون غيره ، ومعه لايبقى . وكذلك القيود المخصّصة والمقيّدة؛ إذ الدليل يعارض تارة أصالة الحقيقة واُخرى الظنّ الخارجي كالغاية لو لم يكن العموم أزمانياً ، ويراد بالثاني ما يقابل الأوّل ، لكن هذا ليس اصطلاحاً يختصّ بالحديث بل بمطلق الدليل الذي يمكن تصوير النسخ فيه . وطريق المعرفة إمّا نصّ الشارع أو نقل النقلة أو العلم بالتاريخ أو الإجماع ، وهذا الضرب من الإخبار لايوجَد في أخبار الأئمة ؛ للإجماع ظاهراً على سدّ باب النسخ بعد انقطاع الوحي . وقولُ أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ حديث النبيّ صلى الله عليه و آلهمثل القرآن ، منها ناسخ ومنسوخ» في محلّه ، وقول الصادق عليه السلام : «الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن» ۱ محمول عليه ، وما ذكره بعض المحدّثين واعتَمد عليه من
1.الكافي، ج۱، ص۶۵؛ بحار الأنوار ، ج ۲ ، ص ۲۲۸ .