الكفاية في علم الدرايه - صفحه 340

إليه لظهور حاله بالصلاح والزهد ، ويظهر لك ذلك من أحوال الأخبار التي وضعها هؤلاء في الوعظ والزهد . وضمّنوها أخباراً عنهم ، ونسبوا إليهم أفعالاً وأحوالاً خارقةً للعادة، وكراماتٍ لم يتّفق مثلها لاُولي العزم من الرسل ، بحيث يقطع العقل بكونها موضوعة وإن كانت كرامات الأولياء ممكنة في نفسها» . هذا محصَّل كلامه ، ولقد أجاد رحمه الله.
ثمّ نهضت الجهابذة من العلماء ـ طيّب اللّه تربتهم ـ إلى تحقيق الحقّ ورفع الباطل ، فالتقطوا الموضوعات التقاط الحبّة ، حتّى قال بعض العلماء : «لم تبق رواية موضوعة ؛ لأنّ العلماء قد كدّوا أبدانهم، وذابوا أجسادهم، وصرفوا أوقاتهم طول أعمارهم في تصحيحها وتنقيحها ، حتّى بلغ الأمر إلى ما بلغ» ۱ . ومع ذلك يقف الخرّيت الماهر على بقايا من هذه ، وأكثر ما يوجد من هذي الشذاذ في الكتب الموضوعة في غير الأحكام ؛ إذ العناية بها أتمّ وأقوى من غيرها ، ولاسيّما كتب الدعوات والأذكار ؛ فإنّها مظنّة ذلك ، كما يُومئ إليه المحقّق ابن إدريس في السرائر ، حيث ردّ الخبر معلِّلاً بأنّه لايوجد في كتب الفتوى، وإنّما هو في كتب الدعوات ، فردُّ العلاّمةِ وطعنُه عليه ـ بأنّه لا فرق بين كتب الدعوات وغيرها ـ ليس في محلّه ، مع أنّ لعدم اعتبار الرواية الموجودة في كتب الدعوات وجهاً غير ذلك ، وليس هنا محلّ ذكره والتعرض له .
الثامن : المضمر ، وهو ما اُسند إلى مجهولٍ ظاهِرُه المعصوم، ك «سألته» و «قلت له» و «قال» ونحوها ، ولهذه الحيثية دخلَتِ الروايةُ في جنس الضعاف؛ للجهل بالمسؤول عنه والقائل . وليُعلمْ أنّ الشرط في اتّصاف الرواية بالإضمار والقدح فيه أن لا تكون ناشئة من تقطيع الأخبار وإفراد بعضها عن بعضٍ ، وإلاّ فلا تُقدح في الرواية . والظاهر أنّ كثيراً من المضمرات في حكم الموصولات بل عينه ؛ لأن
ّ

1.ورد بهذا المعنى لا بلفظه في الحدائق الناظرة، ج ۱، ص ۹، المقدمة الاُولى.

صفحه از 400