الكفاية في علم الدرايه - صفحه 350

واُجاب ، ولايمنعني هذا من درك مطالبه ولا الإحاطةِ بفوائده ، حتّى أنّي كثيراً ما كنت اُملي لغيري بعد الفراغ عن القراءة .
فقد رُوي أنّ الدارقطني حضر في حداثته مجلس الصفّار فجعل ينسخ جزءاً كان معه والصفّار يملي ، فقال له بعض من حضر : لا يصحّ سماعُك وأنت تنسخ! فقال : فهمي للإملاء خلاف فهمك . ثمّ قال : «تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن؟» فقال : لا ، فقال الدارقطني : أملى ثمانية عشر حديثاً . قال بعض من حضر : فعددتها فوجدتها كما قال . ثمّ قال الدارقطني: «الحديث الأوّل عن فلان د ومتنه كذا» ، ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء، حتّى أتى على آخرها ، فتعجّب الناس منه . ۱
وللشيخ أن يجيز للسامعين بعد الفراغ من القراءة عن حفظ أو أصل وإن جرى السماع على الكلّ؛ لاحتمال غفلة الشيخ أو غلط الراوي فيسدّ بالإجازة ، والقانون في تلك الإجازة أن يكتب الشيخ: «سَمِعه منّي» أو «أجزت له روايته عنّي». وقد يكون محضر القراءة ومجلس الدرس عظيماً مزدحماً فيه، ولايصل صوته إلى الجميع ، فلو كان بينهم مُملئ، صحّ أن يروي المستملئ عن المُملئ؛ لقيام القرينة على صدقه ، وقيل : «يرويه عن المحدّث»، وفيه نظر ؛ لأنّه خلاف الواقع ، ولا طريق له إلاّ بواسطة، فإسقاطها كذب وتدليس . وكان فيما سلف تزدحم الرجال إلى محافل العلماءِ ومجالس دروسهم ، فقد روي أنّ صاحب بن عبّاد كان يجلس للإملاء ، ويحضره عند جمٌّ غفير ، وكان لايغني المستملئ الواحد ولايقوم بأملهم ۲ فانضاف إليه ستّةٌ [كلّ يُبلِّغ صاحبه ۳ ]. ۴

1.الدراية ، ص ۹۱؛ الباعث الحثيث ، ص ۱۱۶ .

2.في المصدرين «بالإملاء» بدل «بأملهم» .

3.نقلنا هذه الإضافة من كتاب الرعاية.

4.تنقيح المقال ، ج ۱ ، ص ۱۳۵ : الرعاية ، ص ۲۵۳ .

صفحه از 400