الكفاية في علم الدرايه - صفحه 363

ثمّ أخذ في الطعن على من عمل بالمكاتبة ، وأنّ الإفتاء بما أفتوا خطأٌ عظيم في الأمر الجسيم ، ثمّ علّلها بعلل ثلاثة ذكرَ أوّلها ، ثمّ قال : «الثاني : من يعمل بأخبار الآحاد لا يقول بذلك ولا يعمل به إلاّ إذا سمعه الراوي من الشارع» ۱ انتهى . فعلى ذلك يشكل غاية الإشكال استدلال غير المتحمّل بأنحائه بالأخبار المدوّنة في أصول الأصحاب وإن كان مجتهداً ، وربما يخرج وجهاً وهو واضح .

[المطلب] الثالث : في كيفية رواية الحديث

وقد ذكر في مقالات من سلف أنّ أبا حنيفة ومالكاً حظرا العمل إلاّ بما يرويه الراوي من حفظه وتذكّره ، وحكي موافقتهما عن بعض أتباع الشافعي ۲ ، وهذا كما تراه هجر من القول كسائر مقالاتهم ؛ ومنهم من جوّز الرواية من كتاب لكنّه اشترط بقاءه في يده ، فلو خرج عنها ولو بإعارة ثقة لم تجز؛ لمكان الغيبة المجوّزة للتغيير ، وهذا كسابقه ، ولا غرو مِن هؤلاء ؛ فإنّ مَن اطّلع على مقالاتهم في الفقه والأصولين وغيرها ظهرت عليه الترّهات البسابس ۳
، وقضى عقله فيهم بالسفاهة
والجحود على طريقة واحدة من بني اسرائيل ، وقد حضر بالبال مطلب للعلاّمة ـ طاب ثراه ـ يناسب المقام ذكره : فإنّه ـ رحمه اللّه ـ ذكر في التذكرة أحد مصنّفاته المبسوطة الفقهية ـ و أظنّه المنتهى ـ أنّ «مَن نذر شيئاً للسفهاء يُصرف في مصارف الأشاعرة» ۴ وغرضه من ذلك الجدّ لا الهزل ، والبتّ لا الظنّ .
وكيف كان ، يجوز الرواية مطلقاً ، مِن حفظ كانت أو كتاب ، إلاّ أنّ بعض

1.نفس المصدر ، ج ۲ ، ص ۱۸۸ .

2.الرعاية ، ص ۳۰۴ .

3.البسابس : المختلفة من الطرق والترهان ، معرّب كان اصلها دورة بالفارسية ، فعرّبت ثمّ اُجمعت على الترّهات ، وفي شعر : معوبة تطاول ليلى واعترتني وساوس لات اتى بالترّهات البابس منه رحمه الله .

4.لم نجد هذه الجملة في كتب العلاّمة .

صفحه از 400