الكفاية في علم الدرايه - صفحه 367

وفي خبر آخر عن أبي عبد اللّه عليه السلام أيضاً سأله رجلٌ فقال : أسمع الحديث منك فلعلّي لاأرويه كما سمعته! فقال : إذا حفظت الصلب منه فلابأس ؛ إنّما هو بمنزلة أن يقال : هلمّ ، واقعد، واجلس ۱ .
استُدل للمانع بأنّ في الألفاظ المنضمّة وكيفيات الانضمام من الفصل والوصل والتقديم والتأخير والحذف والتجوّز والتوصيف والتوضيح وسائر التصرفات وجوها قلّ أن لا يخفى على الماهر فضلاً عن غيره ؛ فإنّ ما تعرفه من الألفاظ بصفة الترادف إذا اطّلعنا على حقيقة اللغة رأيناها متغايرة ، كالقعب والكأس ، والجيش والجند ، والسيف والفِرِند ، والوادي والأبطح ، والشاطئ والرّقة ، ونحو ذلك ۲ .
ومن الأمور المعلومة أنّ الغرض المقصود يفوت بأدنى تصرّف ، كما ترى أنّ ترجمة القرآن ولو بلفظٍ فصيح وألفاظ كذلك مفوّت للأغراض المقصودة فيه ، ومِن ثمّ قال النبيّ صلى الله عليه و آله : «نضر اللّه عبداً ، أو نصر اللّه امرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأدّاها كما سمعها ؛ فربّ حامل فقهٍ إلى غير فقيهٍ ، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» ۳ والجواب عن ذلك أنّ هذا الكلام الذي ذكرناه وصحّحناه وإن كان في غاية المتانة ، إلاّ أنّه مردود بوجهين :
أحدهما: أنّه خلاف المفروض ؛ لأنّا إنّما نجوّز فيما يختلّ فمن يعرف صنوف الكلام وضروبه لايخلّ .
ثانيهما : أنّ هذه الوجوه إنّما يُرتكب في مثل الأشعار والخطب وموارد يبين المتكلّم عن فصاحته وبلاغته ، دون مثل الأجوبة عن أسئلة أواسط الناس والبياناتِ المتعلّقة بالأحكام وتقصيصِ القصص ممّا يغلب الابتلاء بها ، والدعوى

1.الدراية ، ص ۱۱۳ ؛ الكافي ، ج ۱ ، ص ۵۱ ؛ مقباس الهداية ، ص ۱۹۳ .

2.القعب : قدح من خشب ؛ والفرند : السيف .

3.سنن أبي ماجه ، ج ۱ ، ص ۸۴ ـ ۸۶ ؛ سنن الترمذي ، ج ۵، ص ۳۴ ؛ تحف العقول ، ص ۴۱ ـ ۴۲ .

صفحه از 400