الكفاية في علم الدرايه - صفحه 371

الباب الثالث : في صفات الراوي

إذ بها يتميّز مَن تُقبل روايته ومن تردّ ، وبها يحصل العلم بالصحيح والسقيم ، وفيه مقدّمة ومطالب:
مقدّمة : اعلم أنّ الكتاب العزيز والسنة النبويّة وإجماع أهلِ القبلة قائمة على حرمة الغيبة وذكرِ الرجل المسلم ممّا يسوؤه ، حتّى أنّها شُبّهت في كتاب اللّه تعالى بأكل لحم الأخ ميتاً ، مع توصيف المسلم بالأخوّة ؛ إشعاراً بأنّ اللازم حفظ غيبته ومراعاتُه كمراعاة الأخ الشفيق ؛ إلاّ أنّه لمّا كان أمر الشرع متوقّفاً على الاطّلاع بمجاري أحوال الرواة وأوصافهم وما كانوا عليه ـ لئلاّ يُؤدّى الإهمال والستر إلى العمل بأقاويل الضلال وآراء الفسقة ـ وجب في الحكمة أن يَحلّ البحث عن حالهم والفحص عن صفاتهم ؛ ليميز اللّه الخبيث من الطيب ، فهذا هو الوجه في عدم قدح القدح والتضليل ، لا ما ربما يختلج بالبال من عدم شمول أدلّة الغيبة للموتى ؛ فإنّه وإن كان بالنظر إلى مقتضى النظر حقّاً ، غير أنّه أخصّ من المدّعى ؛ مع ذلك فالروايات الدالّة على أنّ حرمة المؤمن ميّتاً كحرمته حيّاً عمّمها أو نزّل الموتى منزلة الأحياء ؛ على أنّ الغرض المقصود والمصلحة الداعية العقلية إلى النهي عنها موجودة في خصوص الموتى كوجودها في الأحياء ، بل ربما تزيد فيهم عليها فيهم ، كما هو ظاهر على من راجع عادة العقلاء وطرقهم في سلوكهم ومداراتهم مع أضرابهم وأشباههم ، فمن الطرائف ما حكي أنّ بعض الجهلة المتقدّمين قال لبعض العلماء : أ ما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند اللّه يوم القيامة؟ فقال : «لأن يكون [هؤلاء ]خصمائي أحبّ إليّ من أن يكون رسولُ اللّه خصمي ؛ يقول لي : لِمَ لم تذبّ الكذب عن حديثي» .
وأعجب منه ما حكي أنّ بعض الناس سمع عالماً يتكلّم في صفات الرواة ،

صفحه از 400