الكفاية في علم الدرايه - صفحه 373

علّلناه خطائيةَ عمدِهما ، بذلك تبيّن ما ندّعيه ؛ فهذا الحديث يصلح أن يكون مفسِّراً للحديث الماضي وكاشفاً عن الغرض فيه ؛ إذ لو كان المرفوع قلم المؤاخذة لم يستقم التعليل أصلاً ، فافهم ذلك . وما ربما يخطر ببعض القرائح المعوجّة من ذلك ـ إمّا بدواً ، أو بعد دعوى التلازم بين الحرمة والعمديّة ـ خيال ركيك فاسد لايصلح لِلإصغاء ، مع أنّه خلاف الظاهر ، بل هو كالتعمية فتبصّر ، فما استدلّ به ثاني الشهيدين وغيره على النهج الذي أحطتَ الخُبر به استدلال فاسد كما عرفت .

المطلب الثاني[ العدالة ]

نُسب إلى الجمهور اشتراط العدالة؛ آخذاً بمفاد آية النبإ ومفهومه ، والكلام فيهما طويل ، ولعلّ تركُ الاستدلال بها أولى ، ولو دلّت لكانت دلالتها على اعتبار خبر الثقة أو خصوصِ ما يفيد الطمأنينة النفسانية المسمّاة بالعلم في كلام جماعة، كعَلَم الهدى والشيخ وغيرهما ، كما صرّح به شهاب الدين في العشرة ، أو الملحقة به حكماً أقوى . ثمّ إنّ كلماتهم في العدالة مطلقاً أو في محلّ البحث مختلفة ، والكلام فيها يُخرج الرسالة عن وضعها ، وبعضهم اعتبر العدالة في كلّ مخبِر بالنسبة إلى مذهبه ، ولعلّه كلّ مَن يعمل بالموثّقات . والمعروف في تحديدها هو الملكة الراسخة في النفس تمنع عن ارتكاب الكبائر والإصرار على الصغائر ، وزاد
جملةٌ من المتأخّرين منافيات المروّة ، ثمّ إنّهم اختلفوا في الكبيرة : فبعضهم على أنّها ما تُوُعِّد بها ، وآخر إلى أنّها ما نهي عنها في الكتاب العزيز ، وجملة إلى أنّها ما نطقت بها الأخبار ، وفرقة إلى أنّها إضافية ؛ ولكلٍّ مستند من الأخبار . والذي أذهبُ إليه أنّ الكبيرة هي ما فعلُهُ أو تركه هتكٌ لناموس الشريعة ، وليست لفظة «الكبيرة» ممّا ثبت فيه اصطلاح الشرع ، فلابدّ من الاتّباع لمقالتنا ، وفيها سبحٌ طويل .
وكيف كان ، فلهم في الإصرار على الصغائر أيضاً كلمات : منهم من أقسمه إلى الحقيقي والحكمي ، وجَعَلَ الثاني العزم عليها ، وادّعى جماعة من العامة

صفحه از 400