سببها ، بخلاف الجارح؛ فإنّه يحتاج إلى ذكر السبب ، وأنّ الجارح مقدّم القول على المعدّل ، وأنّ الجارح إذا جرح ولم يذكر السبب لم يقدح إلاّ من حيث حدوث الريبة القويّة ، فيتوقّف إلى ثبوت أحد الأمرين : العدالة أو تبيّن زوال موجب الجرح .
دليلهم على الأوّل كثرة أسباب الأوّل فيتعذّر تعدادها ، واختلاف الناس في المعاصي الكبيرة .
دليلهم على الثاني أنّ المعدِّل يخبر عن ظاهر الحال بخلاف الجارح ؛ فإنّه المخبر عن البواطن الخفيّة ، والكلّ عندي فاسد:
أمّا الأوّل : فلأنّ تعذّر تعداد الأسباب بعد إمكان إدراجها تحت عنوان واحد ـ كالمجتنِب عن الكبائر ، وغيرِ المصرّ على الصغائر ـ ممّا لا معنى له وأنّ السند الذي ذكروه في مسألة الجارح من الاختلاف في موجبه جارٍ بعينه في المعدّل ؛ إذ مَن لايرى الغيبة أو الفحش من الكبائر يعدّل المرتكب إذا لم يصرّ عليهما ، وهذا ظاهر .
أمّا الثاني : فلأنّ ما ذكروه إنّما يتمّ على كون معنى تعديل المعدّل عدم الدراية ومبنى جرح الجارح الدراية ، وأمّا إذا كانا بانين كلامهما على الدراية فما الذي أوجب تقدّم الجارح على المعدّل؟ مع أنّ المعرّف الذي ذكروه ، كثيراً ما يوجب الدراية ، فإن تمسّكوا بأصالة عدم العدالة فإن راموا بها إثبات الفسق فهو باطل؛ لعدم الاعتداد بمثبتات الأصول ، وإن راموا بها مجرّد عدم ترتيب آثار العدالة فهو أمر وراء مسألة تقديم الجارح على المعدّل ؛ إذ الأصل تابع لتحقّق مجراه ، والتعارض أورث الشك المأخوذ في جريانه ومجراه ، بل التحقيق ملاحظة الترجيح بينهما إذا علم مبنى دعويهما ، وهُم قد ذكروا العمل بالمرجّحات ، غير أنّهم خصّوه بما إذا لم يكن الجمع بينهما ، كأن يقول الجارح : «قَتل زيد عمرواً يوم الجُمعة من شهر صفر عام فلان» ويقول المعدّل : «رأيت عمرواً في الربيع الأوّل