العيوب المذكورة للدنيا ، وساعة منه خيرٌ من قيام ليلة ، كما قال حسن الصيقل : سألت أباعبداللّه عليه السلام عمّا يروي الناس : أنّ تفكّر ساعة خير من قيام ليلة . قلت : كيف يتفكّر ؟ قال : يمرّ بالخربة أو بالدار فيقول : أين ساكنوك ، وأين بانوك ؟ ما لك لا تتكلّمين ؟ ۱ .
وهو مبدأ وسبب لمعرفة الأشياء الغير الكائنة والفاسدة إجمالاً وبالوجه ؛ لأنه لا يمكننا معرفة الأشياء الغير الكائنة والفاسدة إلاّ بمعرفة الأشياء الكائنة والفاسدة .
ومبدأ وسبب للزهد عن الدنيا أيضاً ، كما قال عليه السلام لأبي عبيدة : أكثر ذكر الموت فإنّه هادم اللذّات ۲ .
إلاّ أنّه سبب للزهد بوجه مّا ، لا بالكليّة ؛ لأنّ الإنسان إذا تذكّر عيوب الدنيا تنفّر عنها تنفّراً مّا لا كلّ التنفّر ؛ لأنّه لم يعرف بعدُ صفات الأشياء الكائنة والفاسدة وخيراتها و كمالاتها التي لا يقاس على كمالات الأشياء الكائنة والفاسدة . ولم يعرف أيضاً أنّ نفسه هي من سنخ هذه الأشياء أم لا ؟ وإن كانت من سنخها أيمكنها أن يلحق ويتّصل بهذه الأشياء والكمالات أم لا ؟
فإذا لم يحصل ۳ هذه المعرفة فلا يزهد عمّا هو فيه كلّ الزهد وإن كان عارفاً بنقصه وعيوبه ؛ لأنّ النفس لم تدع شيئاً مّا هو مالكه ما لم ترجو لما هو خير منه .
وقسم في معرفة الأشياء الغير الكائنة والفاسدة وصفاتها وكمالاتها وخيراتها ، من سرورها /73/ ولذّاتها ولطافتها وصفائها وشرفها وبهائها ودوامها وخلودها ، ومعرفة أنّ نفسه هي من سنخ الأشياء غير الفاسدة ، ويمكنها أن تلحق بهذه الأشياء وتتّصف بصفاتها وكمالاتها باتّصاف مّا ، وهو أفضل من جميع العبادات ، كما قال أبو عبداللّه عليه السلام : أفضل العبادة إدمان التفكّر في اللّه وفي قدرته ۴ .
1.بحار الأنوار ، ج۶۸ ، ص۳۲۸ ، ح۲۷ عن مشكاة الأنوار ؛ الكافي ، ج۲ ، ص۵۴ باب التفكّر ح۲ .
2.بحار الأنوار ، ج۶ ، ص۱۳۲ ، ح۳۰ عن أمالي الطوسي : في ما كتب أميرالمؤمنين عليه السلام لمحمّد بن أبي بكر ... «أكثروا ذكر الموت فإنّه هادم اللذّات» .
3.ب : لم يعرف .
4.بحار الأنوار ، ج۶۸ ، ص۳۲۱ ح۳ ، عن الكافي ، ج۲ ، ص۵۵ ، ح۳ .