زبور العارفين - صفحه 199

اللّه صار المكروه والمحبوب الذي هو مكروه أو محبوب في علمه ووهمه عنده سواء ، فلا يحزن على ما فاته من محبوباته ، ولا يفرح بما أتاه /90/ منها من حيث إنّه محبوب عنده ، بل يرضى ويفرح بهما من حيث إنّهما يردان عليه من المحبوب الحقيقي تعالى وتقدّس ، لا بالعكس ، أي يرضى ويفرح أوّلاً بالمكروه والمحبوب ثمّ يُسلّم علمه وإرادته وهواه إليه تعالى .
ويؤيّد ذلك ما ورد في الدعوات المأثورة : «ومُنّ عليَّ بالتوكّل عليك والتسليم لأمرك والرضى بقدرك حتّى لا اُحبَّ تعجيل ما أخّرت ولا تأخير ما عجّلت» ۱ .
وكلّ واحد منهما ـ أي الصّابر والراضي ـ يتفاوت بالشدّة والضعف بحسب اشتدادات لذّة المحبّة إلى اللّه وألم المكروه وضعافهما ، فأدنى درجة الصّابر هو الذي لا يجزع ولا يشتكي إلى غير اللّه تعالى ، ولكن لشدّة كراهته وكدورته وعبوسه كاد أن يكون شاكياً وجزوعاً لغير اللّه ، وأعلى درجته أن يكون الضعيف الهمّ شديد الوقار الذي كاد أن يقال له «راضٍ» أي مسرور ، وأدنى درجة الراضي أن يكون قليل البسط الذي كاد أن يقال له «صابرٌ» أي مغمومٌ ووقورٌ ، وأعلى درجته هو المسرور الّذي كاد أن لا يحسّ آلام المكروهات الشديدة لشدّة اشتداد لذّة المحبّة الإلهيّة .
وكذلك العلم اليقيني بأنّ ذوات المخلوقات وحقائقها ۲ وعلومها وأعمالها ـ وبالجملة جميع كمالاتها ـ ليست إلاّ (ظلّ الذّات المطلق الذات والغني الذات ، وظلّ كمالاته التي هي عين ذاته . والذات الظلي الذات ليس إلاّ ذاتا بالغير ومتذوّتا بالغير، والمتذوت بالغير وكمالاته ليست إلاّ مضافاً بالغير وللغير [ و ] من الغير لا غير ، ويقين العمليّة له هو أن يسلب النفس دعوى التذوّت والأنائيّة ۳ والكمال لنفسه التي هي منشأ الكبر والعجب عن نفسها بالكليّة ، فصارت ظلاًّ ذليلاً حقيراً فانياً في الذات المطلق

1.بحار الأنوار ، ج۸۴ ، ص۸۲ عن فلاح السائل ، بتفاوت وتقديم وتأخير .

2.ب : وجوداتها .

3.كذا في النسختين ، والظاهر : الأنانية .

صفحه از 287