زبور العارفين - صفحه 279

الحقّ أغلق كفيه بما يليه من اللذّات لذات الزور ، فتركها ۱ في دنياه عن كره ، وما تركها إلاّ ليستأجل أضعافها ، وإنّما يعبد اللّه /160/ ويطيعه لينجو له في الآخرة شبعه منها فيبعثَ إلى مطعم شهيّ ومشرب هنيء ومنكح بهيّ إذا بعثر عنه ، فلا مطمح لبصره في اُولاه واُخراه إلاّ إلى لذّات قبقبه وذبذبه ۲ ، والمستبصر بهداية القدس في شجون واجب الإيثار قد عرف اللذّة الحقّ ، وولي وجهه سمتها مترحماً على هذا المأخوذ من رشده إلى ضدّه وإن كان ما يتوخّاه بكدِّه ۳ مبذولاً له بحسب وعده ۴ .

الغرض الثاني

قال صاحب حلية الأرواح :
أوّل ما يظهر للإنسان عند العقل هو الشعور ، ومنه ينبعث الشوق والإرادة ، ثمّ يحدث الحركة ، فالسالك لابدّ له من الشعور بكمالٍ وكاملٍ مطلق يمكن له أن ينال منه شيئاً إمّا بالعقد الإيماني مع السكون والطمأنينة في النفس ، وإمّا باليقين البرهاني على سبيل الاستبصار ، فإذا اطمأنّ بأحدهما انبعث من باطنه شوق ورغبة في اعتلاق العروة الوثقى وهو الإرادة ، ثمّ يتحرّك بعده إلى جناب القدس لنيل الروح والاُنس ، وحينئذٍ يحتاج إلى إزالة الموانع وتحصيل الشرائط ، وذلك لا يكون إلاّ بالرياضة ، والرّياضة مشروطة باُمور ومتضمّنة لاُصول .
أمّا الشرائط فعزيمة جازمةٌ لا ينقض ولو في جزئي مّا ممّا عزم عليه لئلاّ يتشوّش الوقت ويتفرّق الوجه ، وصدقٌ في المواطن كلّها قولاً وفعلاً وفكراً لئلاّ يفسد المنامات والإلهامات بملكة الكذب ، وتوبة نصوح عمّا يشغل سرّه عن الحقّ لئلاّ يجذبه التفات الخاطر إلى الباطل عن جناب الحقّ ، وإنابة إسلامه إلى اللّه بحيث لا يمكن له أن يقبل إلى ما عداه بباطنه في شيء أصلاً ، وأصل الباب فيها الإخلاص التامّ وهو تخليص العمل للّه بحيث لا يشرك به أحداً ولو بطرفة عين ، ولا يرى ظاهراً ولا باطناً ولو بخاطر ؛ إذ الخطرة في العقل لغير اللّه ـ ولو لم يفعل ـ شرك خفيٌّ ؛ كما أخبر به صلى الله عليه و آله : دبيب الشرك في اُمّتي أخفى من دبيب /161/ النملة السوداء في ليلة الظلماء على الصخرة الصمّاء .

1.الف : فتركه .

2.الف وب : قبقبته وذبذبة .

3.ب : بلذه .

4.شرح الإشارات والتنبيهات، ج۳، ص۳۷۷ .

صفحه از 287