الكلمات منطوقاً في بعض الأجرام، كما خلقه مخطوطاً في اللوح؛ فإنّ الكلام عَرَضٌ لا بدّ من محلّ يقوم به.
قال بعض الحكماء: «إنّ تكلّمه الّذي هو صفته تعالى في التحقيق عبارة عن قدرته على إنشاء الكلام وتألّف ۱ الكلمات وما به يمكن به من إفادة مخزونات علمه على من يشاء من عباده، فهو مَبدأ كماله لا ريب في قدمه، بل هو عين ذاته، وليس هي القدرة على الإيجاد بعينها بل غيرها بوجهٍ ما.
وأمّا كلامه تعالى وهو ما أفاده من مخزونات علمه مَن يريد، فيختلف بحسب المواطن والعوالم الّتي تقع فيه التقاول والتكلّم، فقد يكون لفظاً إذا كان التكلّم والتقاول في عالمي الحسّ والمثال، ولا شكّ في حدوثه بالزمان، وقد يكون معنىً وذلك إذا كان التقاول في العوالم المجرّدة، ولاخفاء في جواز قدمه إن أمكن قديم غيره.
ومَن أثبت الكلام النفسي فإن كان مراده به الكلام المعنوي الّذي يقع به التقاول في العوالم المجرّدة فقد [عرفت] حاله، وإن أراد به غيره فليس على ثبوته دليل؛ فإنّه ليس سوى مخزونات علمه وما أفاده على غيره ممّن أراد إكرامه بالتكليم، وما يتمكّن من تلك الإفاده أمر آخر / 46 / يمكن أن يقال: إنّه الكلام النفسي».
وقال الغزّالي: الكلام الّذي ينسب إلى البارئ تعالى فهو صفة من صفات الربوبية، فلاتَشابُه بين صفات البارئ وبين صفات الآدميّين؛ فإنّ صفاتهم زائدة على ذواتهم؛ لتكثّر وحدتهم [و] إنّيتهم بتلك الصفات، ويتعيّن حدودهم ورسومهم بها، وصفة البارئ تعالى لا تحدّ ذاته ولا رسمه، وليست إذن أشياء زائدة على العلم الّذي هو حقيقة هويّته، ومن أراد أن يعدّ صفات البارئ لايتعدّد ولاينفصل بعضها عن بعض إلاّ في مراتب العبارات وموارد الإشارات.
وإذا اُضيف علمه إلى استماع دعوة المضطرّين يقال: «سميع»، وإذا اُضيف علمه تعالى إلى رؤيته ضمير الخلق يقال: «بصير»، وإذا أفاض عن مكنونات علمه على قلب
1.كذا في الأصل، و الصحيح: «تأليف».