الأربعون الودعانية - صفحه 217

والسير واحد ، وهو قطع المسافة . عاقبة كلِّ شيءٍ : آخره . «الصحيفة» : الكتاب ، و«الأجل» : مدَّة الحياة .
والمراد بطيّ صحائف الآجال : نفاد الأعمار وفراغها، فعند مشاهدة الموت يتبيّن للإنسان عاقبة عمله، أنّه خير أو شرٌّ . «الفاسق» : الخارج عن الطاعة ، وقيل : المراد به في الحديث : المنافق .
قوله : نيّة المؤمن خير من عمله ، قيل : ليس المراد به أنّ نيّته للعمل الصالح خير من ذلك العمل لو فعله مقرونا بالنيّة ، بل مراده أن نيّته الصالحة المجرَّدة عن العمل خير من عمله المجرَّد عن النيّة ، كقوله تعالى : «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ»۱ معناه : خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ؛ لأنّ الشيء لا يكون خيرا من نفسه، ولا من عدّة أمثاله معه.
وقيل : المراد به : إذا عمل عملاً صالحا مقرونا بالنيّة واجتمعا ، كانت النيّة في الفضيلة والشرف خيرا من العمل ، كما يتركّب الشيء من جزءين مفردين، أحدهما أشرف من الآخر ، كتركّب السكنجبين من السكَّر والخلّ ، وتركب الإنسان من الجسم والروح ، أو من الحيوانية والنطق ، وإنّما كانت النيّة أشرف الجزءين لأنّها روح العمل وهو جسمها .
وقيل : إنّما كانت نيّة المؤمن خيرا من عمله؛ لأنّها تحتمل التعدُّد والكثرة في العمل الواحد، فيتضاعف أجر العمل بقدر عدد النيّات ، فيتضاعف الأجر فيه ، ومثل ذلك لا يتأتّى في العمل ، مثاله : من جلس في المسجد بنيّة الاعتكاف، ونيّة انتظار الصلاة، ونية الخلوة والعزلة عن شواغل القلب، ونية زيارة بيت اللّه تعالى ، ونية حفظ الجوارح من المعاصي؛ تعظيما لبيت اللّه تعالى وحياء منه ، فإنّه لا يكون كمن جلس بإحدى هذه النيّات الخمس .
وقيل : إنّما كانت نية المؤمن خيرا من عمله لأنّ عمله مقيَّد بطاقته ووسعه ؛ فإنّه لا يقدر أن يعمل من الأعمال الصالحة إلّا ما يطيقه ، بخلاف نيّته للخيرات والأعمال

1.سورة القدر ، الآية ۳ .

صفحه از 307