الأربعون الودعانية - صفحه 272

واليد والرجل عن كسب الآثام، وتُعِين على التفرُّغ للعبادة والإخلاص فيها وحضور القلب معها ؛ فإنّ المتعاونين على البر والتقوى والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في زماننا قليلون جدّا ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه و آله : أحبّ الناس الى اللّه تعالى : الفرّارون بدينهم ، يبعثهم [اللّه ] مع عيسى بن مريم يوم القيامة۱ . وقيل للشافعي : «من أعقل الناس؟ فقال : من اعتزل عن الناس»، وهذا كلُّه في ذلك الزمان ، فكيف في زماننا هذا؟ الذي اجتمع فيه جماعة قلّما يتذاكرون العلوم الدينية والحكم والمواعظ وأحوال الآخرة ، بل أكثر حديثهم : الغيبة والتملُّق والنفاق ومدح أنفسهم وجلسائهم بما ليس فيهم ، وذكر أحوال الدنيا والبحث عن أخبار أهلها ، والتفحّص عما لا يلزمهم ولا يغنيهم في دينهم، بل يضرّهم قوله وسماعه .
قوله : «والعمل كنز ، والدنيا معدن» معناه : أنّ العمل الصالح يستخرجه المؤمن من الدنيا ويكنزه للآخرة ، كما يستخرج أبناء الدنيا الذهب والفضَّة من المعادن ويكنزهما لدنياهم .
«الأهداب» جمع هدب ، وهو ما استرجل من طرف الرداء أو الكساء ونحوهما ، ومنه: أهداب العين، وهو ما نبت من الشعر على أشفارها .
البُرد ـ من الثياب ـ: معروف ، والمعنى : أنّ جميع ما مضى من الدنيا لو دفع بأهداب هذا البرد لما سرّني ذلك ، يعني : قيمتها أقلّ من ذلك في نظره عليه السلام .
قوله : «أشبه من الماء بالماء» مبالغة في تشبيه ما بقي من الدنيا بما مضى منها ، وهو مِن أحسن المبالغات ؛ فإنّ الماء شديد الشبه بالماء ، لا سيّما في المنظر، وكذا في جميع الصفات، إذا كان معدنهما و أصلهما واحدا .
قوله : «وكلٌّ إلى نفاد» : وكل شيء بقي من الدنيا مصيره إلى فناء سريع .
«فبادروا» أي: فسارعوا ، والمراد به: المسارعة إلى الطاعات والأعمال الصالحات .
«المهل» ـ بفتح الهاء وسكونها ـ : المهلة ، والمراد بمهل الأنفاس : مهلة

1.معجم أحاديث الإمام المهدي ، ص ۸۰ ، وراجع: حلية الأولياء ، ج ۱ ، ص ۲۵ وكنز العمال ، ج ۱ ، ص ۳۹۲ ، ح ۱۶۸۹ .

صفحه از 307