شرح چهار حديث از اربعين هروي - صفحه 515

قوله عليه السلام : «في شيء من أحوالهم» . هذا يدلّ على أنّه لا سنخيّة ولا اشتراك لهم مع الخلق في أصل الحقيقة والذات أيضا ؛ إذ الأحوال من مقتضيات الذوات ، فإذ لا اشتراك في شيء منها فلا اشتراك في الذات أيضا ، وكذا يدلّ على براءتهم ممّا في الخلق من صفات النقص كالخطأ والسهو والنسيان والحرص والحسد والطمع وغيرها من الأخلاق المذمومة ، وكذا المعاصي بأسرها ، بل الميل إليها أيضا . ويدلّ على ذلك غير هذا الخبر أيضا من الأدلّة النقليّة والعقليّة ، بل صار ذلك من قبيل الضروريّات في مذهب الإماميّة كما صرّح به العلاّمة المجلسي رحمه اللهفي الأربعين ۱ . وما في بعض الآيات والأخبار ممّا يخالف بظاهره ذلك مأوَّل أو مطروح ۲ .

1.كتاب الأربعين ، ص ۱۱۲ ، في شرح الحديث ۱۵ .

2.قال الإربلي في ترجمة الإمام الكاظم عليه السلام من كشف الغمّة : إنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام تكون أوقاتهم مشغولة باللّه تعالى ، وقلوبهم مملوّة به ، وخواطرهم متعلّقة بالملأ الأعلى ، وهم أبداً في المراقبة كما قال عليه السلام : اعبد اللّه كأنّك تراه ، فإن لم تره فإنّه يراك ، فهم أبداً متوجّهون إليه ومقبلون بكلّهم عليه ، فمتى انحطّوا عن تلك الرتبة العالية والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب والتفرغ إلى النكاح وغيره من المباحات ، عدّوه ذنباً ، واعتقدوه خطيئةً ، واستغفروا منه ، ألا ترى أنّ بعض عبيد أبناء الدنيا لو قعد وأكل وشرب ونكح وهو يعلم أنّه بمرأىً من سيّده ومسمع لكان ملوماً عند النّاس و مقصّراً فيما يجب عليه من خدمة سيّده ومالكه ، فما ظنّك بسيّد السادات وملك الأملاك . وإلى هذا أشار عليه السلام : إنّه ليُغان على قلبي وإني لأستغفر بالنهار سبعين مرّة . ولفظة السبعين إنّما هي لعدّ الاستغفار لا إلى الغين ، وقوله : «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» . قال السيّد علي خان في رياض السالكين في شرح الدعاء الثاني عشر : تبصرة : اعلم أنّ الإمامية ـ رضوان اللّه عليهم ـ اتّفقوا على عصمة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ، وأطبقوا على أنّه لا يجوز عليهم شيء من المعاصي والذنوب صغيرةً كانت أو كبيرة ، لا قبل النبوّة والإمامة ولا بعدها ، ثمّ استشكلوا مع ذلك ما تضمّنه كثير من الأدعية المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام من الاعتراف بالذنوب والمعاصي والاستغفار منها ، كما وقع في هذا الدعاء وغيره ممّا مرّ ويأتي ، بل روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله ما يشعر بذلك ، وهو ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يتوب إلى اللّه عز و جل كلّ يوم سبعين مرّة ، وأجابوا عن ذلك بوجوه : أحدها : حمله على تأديب النّاس وتعليمهم كيفيّة الإقرار والاعتراف بالتقصير والذنوب و الاستغفار والتوبة منها . الثاني : حمله على التواضع والاعتراف بالعبوديّة ، وأنّ البشر في مظنّة التقصير . الثالث : أنّ الاعتراف بالذنوب والاستغفار منها إنّما هو على تقدير وقوعها ، والمعنى : إن صدر منّي شيء من هذه الاُمور فاغفره لي ؛ لما تقرّر من أنّه لا يلزم من صدق الشرطية صدق كلّ واحد من جزءيها . الرابع : أنّهم يكلّمون على لسان اُمّتهم ورعيّتهم ، فاعترافهم بالذنوب اعتراف بذنوب اُمّتهم ورعيّتهم ، واستغفارهم لأجلهم ؛ لأنّ كلّ راع مسؤول عن رعيّته ، وإنّما أضافوا الذنوب إلى أنفسهم المقدّسة للاتّصال والسبب ، ولا سبب أوكد ممّا بين الرسول أو الإمام عليهماالسلام وبين اُمّته و رعيتّه ؛ ألا ترى أنّ رئيس القوم إذا وقع من قومه هفوة أو تقصير قام هو في الاعتذار عنهم و نسب ذلك إلى نفسه ؟ وإذا اُريد عتابهم وتوبيخهم وُجّه الكلام إليه دون غيره منهم وإن لم يفعل هو ذلك بل ولا شهده ، وهذا وجه في الاستعمال معروف . الخامس : ما ذكره الشيخ عليّ بن عيسى الإربلي في كتاب كشف الغمّة . وذكر كلامه ملخّصاً ، ثمّ قال : وهو أحسن ما تضمحلّ به الشبهة المذكورة ، وقد اقتفى أثره القاضي ناصر الدين البيضاوي في شرح المصابيح عند شرح قوله صلى الله عليه و آله : إنّه ليغان على قلبي ، وإنّي ، لأستغفر اللّه في اليوم مئة مرّة ، قال : الغَين : لغة في الغيم ، وغان على كذا : أي غطى ، قال أبو عبيدة في معنى الحديث : أي يتغشّى قلبي ما يلبسه . وقد بلغَنا عن الأصمعي أنّه سئل عن هذا ؟ فقال للسائل : عن قلب مَن تروي هذا ؟ فقال : عن قلب النبيّ صلى الله عليه و آله . فقال : لو كان غير قلب النبيّ صلى الله عليه و آله لكنت أفسّره لك . قال القاضي : وللّه درّ الأصمعي في انتهاجه منهج الأدب ، وإجلاله القلب الّذي جعله اللّه موقع وحيه ومنزل تنزيله . ثمّ قال : لمّا كان قلب النبيّ صلى الله عليه و آله أتمّ القلوب صفاءاً ، وأكثرها ضياءاً ، وأغرقها عرفاناً ، وكان صلى الله عليه و آله معنيّاً مع ذلك بتشريع الملّة وتأسيس السنّة ، ميسّراً غير معسّر ، لم يكن له بدّ من النزول إلى الرخص والالتفات إلى حظوظ النفس مع ما كان ممتحناً به من أحكام البشرية ، فكان إذا تعاطى شيئاً من ذلك أسرعت كدورة إلى القلب لكمال رقّته وفرط نورانيّته ؛ فإنّ الشيء كلّما كان أدقّ وأصفى كان ورود المكدّرات عليه أبين وأهدى ، فكان صلى الله عليه و آله إذا أحسّ بشيء من ذلك عدّه على النفس ذنباً ، فاستغفر منه . انتهى كلامه ملخّصاً . (ج ۲ ص ۴۷۱ ـ ۴۷۴) . فلاحظ الأنوار النعمانيّة ، ج ۱ ، ص ۲۵۹ ـ ۲۶۲ ؛ ولاحظ أيضاً الحديقة الهلاليّة للشيخ البهائي ؛ ص ۱۲۹ ـ ۱۳۱ ؛ والأربعون حديثاً له أيضاً ، ص ۳۱۱ ـ ۳۱۴ ؛ وزبدة البيان للمحقّق الأردبيلي ، ص ۷۸ ؛ وعصمة الأنبياء لفخر الرازي ، ص ۱۰۹ ؛ والمكنون في حقائق الكلم النبويّة ، ح ۲۷۰ (ميراث حديث شيعة ، ج ۸ ، ص ۶۶ ـ ۷۷) .

صفحه از 543