وتنشأ أهميّة هذه الروايات من كونها تؤسّس ميزاناً شرعياً وقاعدة تعرض عليها الأحاديث المنقولة إلينا بواسطة الرواة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) بغية تحصيل العلم بصدورها منه واقعاً ، أو عدم صدورها .
وكثيرٌ من علماء العامّة المتقدّمين والمتأخّرين ينكرون ثبوت هذه الروايات ، ويرون عدم إمكان صدورها عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وسوف يتّضح من خلال البحث : أنّ بعض هؤلاء المنكرين لم يفهموا مراد الشارع الأقدس من هذه الروايات على وجهه الصحيح ، وظنّوا أنّها تهدف إلى إلغاء وظيفة السنّة الشريفة في التشريع ، وحصرها في نطاق توكيد الأحكام التي جاء بها القرآن الكريم ، فدفعهم حرصهم على السنّة إلى إنكار صحّة هذه الروايات ، والتماس الأدلّة على بطلانها .
وسوف نعقد البحث عن هذه الروايات في أربع مراحل :
الأُولى : في استعراض أدلّة الذاهبين إلى عدم ثبوتها .
الثانية : في الجواب عن هذه الأدلّة وردّها .
الثالثة : في بيان معنى روايات العرض ومراد الشارع بها .
الرابعة : في عرض أمثلة تطبيقية لقاعدة العرض على الكتاب .
وسوف نختم البحث بذكر عدد من الفوائد العلمية والعملية التي تستفاد من قاعدة (العرض على الكتاب) .
المرحلة الأُولى : استند الذاهبون إلى نفي ثبوت روايات العرض على الكتاب ، تارةً على مناقشة سند هذه الروايات ، وأُخرى على مناقشة متنها ومضمونها .
أمّا في ما يخصّ المناقشة الأُولى ، فهنا دعويان :
أُولاهما : أنّ هذه الروايات مبتلاة بضعف السند ، قال الشافعي : « احتجّ عليَّ بعض من ردَّ الأخبار بما روي أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : « ما جاءكم عنّي فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافقه فأنا قلته ، وما خالفه فلم أقله » ، فقلت له : ما روى هذا أحدٌ في