المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 102

يقذف في القلب ، فقيل : هل لذلك من أمارة /95/ يعرف بها ؟ قال : نعم . قيل : وما هي ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت . ۱
فكانت الأنوار بهدايته هادياً للقلوب بإنابتها ، وملبسها لها التقوى والمجانبة عن كلّ ما حذّر اللّه تعالى من مخالفته ؛ لوجود قوّة الهداية وما فيها من الضياء والبصيرة ؛ فتبيّن رشده ، وعرف مصالحه ، وعلم مصارعه ، فامتنعت عن مكاسبه المحظورات وترك المخالفات ، ويتجافى عن الموبقات ، وقصد بالاجتهاد بجميع الموافقات وتعلّق بأوامره ونواهيه ، وبذلك خصّ اللّه القلوب وجعلها معدن علمه وأوطان هدايته ومحلّ أذكاره ، وخصّ بإنزال وحيه ومستقرّ معارفه وأوعية محبّته ولطيف مكنون أسراره ، فقال عز و جل : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلبِك »۲ فخصّ قلبه بنزول الوحي ، فأزال عنه صفات الموت فقال : تنام عيناي ، ولا ينام قلبي . ۳
هذا ما ذكر الشيخ رحمه الله في حديث ابن مسعود رضى الله عنه .
إنّ علامة شرح الصدر وقوع نور الحقّ فيه وانفساخه به ؛ للاستقبال بنعت الإنابة إلى الحقّ ؛ لوجدان الكفاية والتزوّد عن الأشغال بموافقة الطبيعة ، ومراقبة داعي الحقّ بوصف الشوق والإجابة ، وهذا معنى قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ في أمارته : « الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت » ، وحقيقة الإسلام : انقياد السرّ عند مباشرة أمر القديم بعد تنوّره بأنوار لمعات كشف تجلّي جلاله ، وقبول الحقّ بعد كماله في لوائح سبحات القدم بقوّتها يخرج من الحدثان ، وتحمل بُرَحا أثقال العبودية بأنوار الربوبية .

۳۳۸.وقال في قوله صلى الله عليه و سلم :أفضل الدعاء الحمد للّه . ۴
وذلك أنّه في المعنى أنّ المقصود في ذلك إفراد الباري في جميع ما تصرّف العبد في أحوال العبودية ، فمرّةً يجمع صلى الله عليه و سلم جميع القربات فيسمّيها ذكراً ، ومرّةً يُفرد على التفصيل على اختلاف أوصاف الذاكرين كما قال صلى الله عليه و سلم : من أطاع اللّه فقد ذكراللّه وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن . ۵
فمنع صلى الله عليه و سلم أنْ يكون المخالف ذاكراً له من حيث ما عصاه .
أراد عن قوله صلى الله عليه و سلم أنّ أصل الذكر ما سكن في قلب المطمئنّ الشاهد مشهد القرب المستعدّ لقبول الأمر ، فإذا كان وصف القلب بهذه الصفة ويكون مقبلاً إلى مراد الحقّ فيكون ذكره أصفى الأذكار ، ولا يحتاج في ازدياد الذكر أن يستعمل جميع الأفعال ، فإنّ ذكره يتعلّق بقوّة الواردات في احتمال أمر /96/ القدم ، وكلّ قلب ينفرد عن هذه المعاني فيكون صاحبه في غطاءٍ عن الذكر وإن ترسّم برسم المتعبّدين ، وحقيقة الطاعة هو الذكر ، وحقيقة الذكر هو المعرفة بأوصاف الربوبية والاتّصاف بأحكام العبودية إلى من أطاع اللّه ذكر اللّه ، ومن ذكراللّه عرف اللّه ، ولا يكون طاعته وذكره إلاّ لمعرفة اللّه .

۳۳۹.وقال فيما حكى صلى الله عليه و سلم عن اللّه تعالى :إنّ اللّه يقول : مَن شغله ذكري عن مسألتي أعطيتُه أفضل ما اُعطي السائلين . ۶
هذه الكلمة يحتمل وجهين : أحدهما : « شغله » معناه أنّه مفعول به ، وهو المشهور في اللفظ ، واحتمل أن يكون « شغله » بمعنى مشتغل فيكون منسوباً إليه كقوله عز و جل : « شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنا وَأَهْلُونَا »۷ وكانوا مشتغلين به قصداً ، فحكى اللّه عنهم بمعنى المشغلين

1.مستدرك الحاكم ، ج۴ ، ص۳۱۱ ؛ روضة الواعظين ، ص۴۴۸ ( بااختلاف ) ؛ الدر المنثور ، ج۳ ، ص۴۴ ؛ بحار الانوار ، ج۶۱ ، ص۲۳۶ .

2.سورة الشعراء ، الآية ۱۹۳ .

3.مستدرك الوسائل ، ج۵ ، ص۱۲۳ ؛ مسند احمد ، ج۵ ، ص۴۰ ؛ بحار الأنوار ، ج۱۶ ، ص۳۹۹ .

4.كتاب الشكرللّه ، لابن أبي الدنيا ، ص۱۱۳ ؛ كنز العمال ، ج۲ ، ص۲۱۷ . وفيهما : « أفضل الدعاء لا إله إلاّ اللّه ، وأفضل الذكر الحمدللّه » .

5.وسائل الشيعة ، ج۱۱ ، ص۲۰۳ ؛ كنز العمال ، ج۱ ، ص۴۴۶ ؛ الدر المنثور ، ج۱، ص۱۴۹ . ( مع اختلاف ) .

6.التحفة السنية ، ص۱۴۸ ؛ المجموع في شرح المهذب ، ج۸ ، ص۴۴ ؛ بحار الأنوار ، ج۸۶ ، ص۳۲۳ .

7.سورة الفتح ، الآية ۱۱ .

صفحه از 143