المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 107

بصفاء إصغائه وما هو غالب عليه من وجود أفراده ، استجمع في صفاته إلى الحقّ الّذي ينفرد به طول عهده ومطمئنّ إليه في حياته وبعد مماته فأحبّ أن يسمع من الحقّ حقّاً ، فسمعه يقول عز و جل « فكيف إذا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهيدٍ وَجِئْنَا بِكَ » فسمع على المواجهة يقول «جِئنا بِكَ» فكان ظاهره ، فكيف استكشاف عمّا يدمع إليه ، من إقامة الشهادة على الخليفة ، فتلقّف ذلك منه على تعظيم المقام وإجلال المكان وشهود ما استأثر الحقّ /99/ من العلم بما يكون منهم وما يكون منه إليهم ، وكيف يثبت الحقّ له على إقامة ما جرد الحقّ له أو يقول «ما أحببتم» ؟ « قَالُوا لاَ عِلْمَ لَنَا » .۱
فقد قيل : طاشت عقولهم خوفاً من اللّه وهيبَةً لسؤاله ، فلمّا قال : فكيف المخلص من الوقوف في مشهد عزّ الالوهيّة إذا تجرّد الخطاب بمطالعة إقامة الشهادة على رؤوس الأشهاد ، فشهد ـ عليه الصلاة والسلام ـ انفراد الحقّ ، ما استأثر في علمه ، ممّا أراد إظهاره ممّا لم يطّلع عليه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ، فيقول : فكيف قيامك في إقامة الشهادة منك على المشهودين ، قيل صلى الله عليه و سلم عند استقرار ما أراد الحقّ كشفه ليوم معلوم من إقامة الشهادة لاستكشاف الأحوال على شرائط الاستقصاء ووجود التحقيق إذا ظهر بحقّ اقتضاء حقّه ممّا له على خلقه ، حيث يستوي الإقدام عنه بروز الكبرياء ونشر أوصاف الاُلوهية .
فكان أهل العلم لِمعرفتهم بذلك ـ أخوف حالاً وأوجل مقاماً واكمد لهم وأنكى ، لعلمهم بما يريدهم الحقّ لذلك ممّا أدركوا من قوله : « فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلاَءِ شَهِيداً » ،۲ فمشاهدة الخطاب على معرفة المخاطب أزال الوسائط وأفنى السواتر وتجرد الخاطب للمخاطب ، فشهده باقتضائه على معرفة منه بأنّه قد استأثر عنده العلم المكنون والسرّ المصنون ، وأنّه على أي حال يظهر المخلص على

1.سورة المائدة ، الآية ۱۰۹ .

2.سورة النساء ، الآية ۴۱ .

صفحه از 143