المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 108

عتب وتسهيل أم على شدّة وتفريغ فأبكاه لرؤية ما هو موصوف به عز و جل ممّا أراد كشف ذلك ، فأدرك في خطابه ما غاب عن خلقه ، وأدرك من خطابه ما خفي على اُمّته ، واللّه أعلم بحاله وما أدرك من خطابه وحداه على بكائه .
واحتمل قوله : « إنّي اُحبّ أن أسمعَه من غيري » يريد ـ عليه الصلاة والسلام ـ من ابن مسعود ونظر له . . . ۱ القرآن ، وكان صلى الله عليه و سلم إذا قرأ قام بالتقويم والتنزيل ، ولساق كلّ حرف على ما يليق بسوقه من إقامة الحفظ والتأدية من حفظ الخطاءِ والنسيان ، فكان ذلك شغل من أفراد الإصغاءِ بالاستماع ؛ لأنّه حواسّ متفرّقه تلزمه جميع ذلك إلى التلاوة وأحبّ أن يكون ذلك مصروفاً إلى غيره في التلاوة ويتجرّد للاستماع بصفا الإصغاءِ بترك الحركات من الحواسّ ليستوفى حقّ الخطاب بإدراك مودعات سرّ الحقّ لمثله فيكون الكلّ من سرّه والإصغاء بسمعه مجموعاً لذلك ، فباشر الخطاب على أخلا الهموم وصفا القلوب من مراعاة ما عليه في التلاوة فجعل محبّته لذلك خاصّية انفرد به في الحال لاستيفاء الخطاب وأدرك صلى الله عليه و سلم من ذلك ما ذكرنا وإن كان التلاوة غير شاغل له ، وذلك مسلَّم له ؛ لعجزنا عن كنه حاله والبلوغ إلى مقامه في بكائه من إدراك خطابه ومعرفته بفهم آياته /100/ ، واللّه أعلم بحاله صلى الله عليه و سلم .
ذكر رضى الله عنه في تفسير هذا الحديث شرحاً شافياً لا يدخل فيه خلل النقص . وجميع مراده فيما أشار أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم كان في كلّ وقت مشتاقاً إلى مئاب روحه ومعدن صفاء قدسه مريداً بخروجه من نقص الحواسّ إلى عالم الاستيناس فيهيجه سرّ عشقه ولوعة اشتياقه إلى معاده فطلب مقوياً في إخراجه طير الاُنس من قفص الجسم إلى وَكَر ۲ الربوبية ، ليطير بأجنحة الوصلة في الهوا السرمدية الصمدية فما وجد شيئاً أليق بشدّة الجذب وإفراد سرّه من الكون من سماع القرآن من غيره لمّا رآه أنّه خطاب القديم

1.في النسخة ، قبل كلمة « القرآن » بقدر كلمة بياض .

2.« وكر » ما يأبس به الطير .

صفحه از 143