المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 109

وصفاتُه ، ممزوجاً أسراره بأفانين أنوار البقاء ، وتجلّي الجمال والجلال ، ويكون بجذبة منه إلى الحقّ أسرع من كلّ شيء دونه بأنّ سلطان أنواره وسطوات سبحانه يهلك جميع العلاّت من المخاطب ، ويحرق جميع الحجب فيما بينه وبين المخاطب ، ولا يزال يوصله إلى الموصول حتّى لا يبقى إلاّ أوقات سرمدية وأحوال أبديّة ، لا يسمعها فيه غير الحقّ ، كما قال صلى الله عليه و سلم« لي مع اللّه وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيٌّ مرسَل » . ۱

۳۴۶.وقال في قوله صلى الله عليه و سلم :إنّ هذا القرآن نزل بحزن ، فإذا قرأتموه فابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنّوا ، ومن لم يتغنّ به فليس منّا . ۲
فقد جمع صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث أحوالاً مختلفة ؛
[ الاول ] من ذلك أنّه حدا على الخوف المتولّد منه الحزن إذ لا يكون الحزن إلاّ من أسباب الوجل والخوف ، وأنّه نزل بالتعظيم والترهيب المنفعل بقلوب أهل الأحوال الحزن .
والثاني فقد حداه على البكاء وذلك منوط بأسباب الخوف والوجل .
[ الثالث ] وكذلك [ حداه على ] التباكي المستجلب بتكرار الوعيد المتكلّف بشدّة التهديد حتّى يصير بتباكيه باكياً .
والرابع : ما حثّهم على الطيب بالتغنّي من طيب النغم وحسن الأصوات المطربة الّذي هو من أحكام الرجاء والإطباع في اللّه ؛ ألا تسمعه يقول : « إنّك لحسن الصوت بالقرآن » ؟ فهذا القول من سعد بن ملك لعبد الرحمن بن سائب ، بخلاف ما تأوّله من قا ل في معنى قوله : « ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن » : إنّه من الاستغناء به لأنّ حُسن الصوت غير ذلك ، ولأن الاستغناء صفة للقلب ، وهذا صفة الحلق دون سائر الأوصاف ، واللّه أعلم .

1.بحارالأنوار ، ج۷۵ ، ص۲۴۳ .

2.سنن ابن ماجه ، ج۱ ، ص۴۲۴ ؛ سنن الكبرى ، ج۱۰ ، ص۲۳۱ ؛ كنز العمال ، ج۱ ، ۶۰۸ ؛ أمالى المرتضى ، ج۱ ، ص۲۵ .

صفحه از 143