المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 115

وقد قيل : إنّ هذا القول من رسول اللّه صلى الله عليه و سلم إنّما جاء في رجل من المنافقين بعينه كان في زمانه عليه الصلاة والسلام ، وكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يواجههم بتصريح القول ، ولا يسمّيهم بأسمائهم فيقول : « فلان منافق » فإنّما يشير إليهم بالأمارة المعلومة على سبيل التورية عن الصحيح ، وكان حذيفة بن اليمان يقول : إنّ النفاق إنّما كان على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و سلم ، وما كان بعد زمانه كفر .

۳۵۳.وقال فيما روت عائشة /۱۰۴/ أنّ الحارث بن هشام سأل رسول اللّه صلى الله عليه و سلم فقال :يا رسول اللّه ، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و سلم : مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّ عليّ فيفصم عنّي ، وقد وعيت عنه ما قال ، وأحياناً يتمثل إليّ الملك رجلاً فيكلّمني فأعي ما يقول. ۱
قالت عائشة : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البَرد فيفصم عنه وإنّ جبينه يستصعد عرقاً .
قوله : « يفصم عنّي » معناه يقلع عنّي ويتجلّى ما يتغشّاني منه ، والمعنى أنّ الوحي كان إذا ورد عليه تصعده له مشقّة وتغشاه كرب ؛ وذلك لثقل ما يُلقى عليه من القول ، وشدّةِ ما يأخذ به نفسه من جمعه في قلبه وحسن وعيه وحفظه ، فيعتريه لذلك حال كحال المحموم . وبيان هذا في قوله عز و جل : « إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً » .۲
وأمّا قوله : « يأتيني مثل صلصلة الجرس » فإنّه يريد ـ واللّه أعلم ـ أنّه صوت متدارك يسمعه ولا يثبته عند أوّل ما يقرع سمعه ، حتّى يتفهّم ويستثبت ، فيتلقّفه حينئذٍ ويعيه ، ولذلك قال : « وهو أشدّ عليّ » .
وجملة الأمر فيما كان يناله من الكرب عند نزول الوحي هي شدّة الامتحان له ؛ ليبلو صبره ، ويحسن تأديبه ، فيرتاض لاحتمال ما كلّفه من أعياء النبوّة ، وحسن الاضطلاع للنهوض به إن شاء اللّه تعالى .

1.سنن النسائي ، ج۲ ، ص۱۴۷ ؛ مسند أحمد ، ج۶ ، ص۱۵۸ ؛ صحيح البخاري ، ج۱ ، ص۲ ؛ مناقب ? آل أبي طالب ، ج۱ ، ص۴۱ ؛ بحارالأنوار ، ج۱۸ ، ص۲۶۰ . ( وفي المناقب اختلاف يسير ) .

2.سورة المزمل ، الآية ۵ .

صفحه از 143