المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 117

معنى هذا الكلام الأمر بالاقتصاد في العبادة وترك الحمل منها على النفس ما يؤودها ويثقلها ؛ يقول : إنّ اللّه عز و جل لن يتعبّد خلقه بأن ينصبوا آناء الليل والنهار قد يعتروا ولا يسترعوا أبداً . إنّما أوجب اللّه عليهم وظائف الطاعات في وقت دون وقت ؛ تيسيراً منه ورحمةً ، فعليكم بالسداد ، ولا تَكلّفوا ما لا تطيقونه ، وأخلطوا طرف الليل بطرف النهار ، وارحموا أنفسكم فيما بينهما ؛ لئلا يقطع بكم .
ما ذكر رضى الله عنه في هذا الحديث موافق لما أدّب المشايخُ سلاّك هذا الطريق في بدايتهم ، وما يأمرهم بالسداد في رياضتهم ومجاهدتهم ؛ لئلا يقطعوا بأثقال العبودية عن مشاهدة الربوبية .

۳۵۵.وقال في قوله صلى الله عليه و سلم :لا حسد إلاّ في اثنين ؛ رجل آتاه اللّه مالاً فسلّط على هلكته في الحقّ ، ورجل آتاه اللّه الحكمة فهو يقضي بها ويُعلّمها . ۱
الحسد هاهنا معناه شدّة الحرص والرغبة ، كنى بالحسد عنهما لأنّهما سبب الحسد والداعي له ، ونفس الحسد محرَّم محظور .
قال أبو العبّاس أحمد بن محمّد : الحسد أن تتمنّى مال أخيك وتحبّ فقره وهو محظور ، والمنافسة أن تتمنّى مثل ماله من غير أن يفتقر وهو مباح . قال اللّه تعالى : « وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ » .۲ الآية ، ثمّ قال : « وَسْأَلُوا اللّهَ مِن فَضْلِهِ » .۳
ومعنى الحديث التحريض والترغيب في تعلّم العلم والتصدّق بالمال .
وقد قيل : إنّ هذا إنّما هو تخصيص لإباحة نوع من الحسد ، وليس هو بشيء .
والوجه ما قال أبو سليمان رحمه الله ؛ لأنّ الحسد إنّما هو صفة نفس الأمّارة وغيظها للمرء المسلم ، الّذي ينشعب منه الشحناء والبغضاء والتحريش والمشاجرة .

1.مسند أحمد ، ج۱ ، ص۴۳۲ ؛ صحيح البخاري ، ج۱ ، ص۲۶ ؛ كشف الريبة ، ص۵۷ ؛ الحقائق ، ص۸۲ ؛ المحجّة البيضاء ، ج۱ ، ص۲۰۰ .

2.سورة النساء ، الآية ۳۲ .

صفحه از 143