المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 120

يحتمل أن يكون أراد أنّه جُنّة من النار ووقاية للسخط ويحتمل أن يكون جُنّة من المعاصي ؛ لأنّه يكسر الشهوة ويضعف القوّة ، فيمنع به الصائم عن مواقعة المعاصي ، فصار كأنّه جُنّة وسَترٌ دونها .

۳۶۰.وقال في قوله صلى الله عليه و سلم في تمام هذا الحديث :فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتَمه فليقل إنّي صائم . والّذي نفسي بيده لخلوف فمِ الصائم أطيبُ عنداللّه من ريح المسك ، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي . الصوم لي ، وأنا أجزي به ، والحسنة بعشر أمثالها . ۱
قوله : « فليقل إنّي صائم » يحتمل وجهين : أحدهما أنّه يقول ذلك فيما بينه وبين نفسه ؛ لئلاّ تحمله النفس على مجازات الشاتم فيفسد بذلك صومه . والآخر أن يقول : ذلك بلسانه ؛ ليمتنع الشاتم من شتمه . إذا علم أنّه معتصم بالصوم فلا يؤذيه ولا يجهل عليه . وقوله في «خلوف فم الصائم » ، المعنى في كونه أطيب عنداللّه من ريح المسك ، الثناء على الصائم والرضا بفعله ؛ لئلاّ يمنعه ذلك من المواظبة على الصوم الجالب لخلوف فمه .
وبيان المعنى : كأنّه قال : إنّ خلوف فم الصائم أبلغ في القبول عنداللّه من ريح المسك عندكم .
وقوله : « الصوم لي ، وأنا أجزي به » ، فيه تفضيل الصوم لما فيه من الإخلاص ، لا يستولي عليه الرياء والسمعة ؛ لأنّه عمل سرٍّ ليس كسائر الأعمال الّتي تطّلع عليها الخلق فلا يؤمن معه الشرك .
وهذا كما روي أنّه قال : نيّة المؤمن خيرٌ من عمله . ۲ وذلك لأنّ النيّة محلّها القلب فلا يطّلع عليها غير اللّه . وتقدير هذا الكلام ، أنّ نيّة المؤمن مفقودةً عن العمل خير من عمل

1.مسند أحمد ، ج۲ ، ص۴۶۵ ؛ صحيح البخاري ، ج۲ ، ص۲۲۶ ؛ كنز العمال ، ج۸ ، ص۴۴۷ .

2.الكافي ، ج۲ ، ص۸۴ ؛ تهذيب الأحكام ، ج۴ ، ص۱۴۲ ؛ الاستبصار ، ج۲ ، ص۶۲ ؛ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، ج۱ ، ص۶۱ ؛ كنزالعمال ، ج۳ ، ص۴۱۹ .

صفحه از 143