المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 123

هذا يتأوّل على وجهين : أحدهما أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشرّ والصلاح والفساد ؛ فإنّ الخيّر من الناس يحنّ إلى مثله ، والشرير يميل إلى نظيره ومثله ، فالأرواح إنّما يتعارف بضرائب طباعها الّتي جبلت عليها من الخير والشرّ ، فإذا اتّفقت الأشكال تعارفت وتألّفت ، وإذا اختلف تنافرت وتناكرت ، ولذلك صار الإنسان /109/ يُعرف بقرينه ، ويعتبر حاله بأليفه وصحيبه .
والوجه الآخر أنّه إخبار عن بدو الخلق في حال الغيب ؛ على ما روي في الأخبار . أنّ اللّه خلق الأرواح قبل الأجساد ۱ ، وكانت يتلقى فتشام كما تشام الخيل ، فلمّا التبست بالأجسام تعارف بالذكر الأوّل ، فصار كلٌّ منها إنّما يعرف وينكر على ما سبق ذكره من العهد المتقدّم ، واللّه أعلم .

۳۶۴.وقال في قوله صلى الله عليه و سلم :نحن أولى بالشكّ من إبراهيم إذ قال : « رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي »۲ ويرحم اللّه لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، ولو لبثتُ في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي . ۳
مذهب هذا الحديث التواضع والهضم من النفس ، وليس في قوله : « نحن أحقّ بالشكّ من إبراهيم » اعتراف بالشكّ على نفسه ولا على إبراهيم عليه السلام ؛ ليس ۴ فيه نفي الشكّ عن كلّ واحد منهما .
يقول : إذا لم أشكّ أنا ولم أرتَب في قدرة اللّه على إحياء الموتى ، فإنّ إبراهيم أولى أن لا يشكّ فيه ولا يرتاب .
وفيه الإعلام أنّ المسألة من قبل إبراهيم لم تعرض من جهة الشكّ ، لكن من قبل

1.أمالي المفيد ، ص۱۱۴ .

2.سورة البقرة ، الآية ۲۶۰ .

3.مسند أحمد ، ج۲ ، ص۳۲۶ ؛ صحيح مسلم ، ج۱ ، ص۹۲ ؛ الدر المنثور ، ج۱ ، ص۳۳۵ . في كلّها « أحقّ » بدل « أولى » .

4.في النسخة كذا ولكن الصحيح «لكن» بدل ليس .

صفحه از 143