المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 131

وجه هذا الحديث ومعناه ترك الفكر فيما يخطر بالقلب من وساوس الشيطان والامتناع من قبولها الإياذ باللّه عز و جلفي الاستعاذة منه /114/ ، والكفّ عن محاراته في حديث النفس ، ومطاولته في المحاجّة والمناظرة والاشتغال بالجواب على ما يوجبه حقّ النظر في مثله ؛ لأنّ باب ما يوسوس به الشيطان إليك غير محدود ولامتناهٍ ؛ لأنّك كلّما ألزمته حجّة وافسدت عليه مذهباً ، زاغ إلى نوع آخر من الوسواس الّتي أعطى التسليط فيها عليك ، فهو لا يزال يوسوس إليك حتّى يؤدّيك إلى الحيرة والضلال ، فارشد النبيّ صلى الله عليه و سلم ما يعارض من وساوسه في هذا الباب إلى الاستعاذة باللّه من شرّه والانتهاء عن مراجعته وحسم الباب فيه بالإعراض منه والاستعاذة بذكر اللّه والاشتغال بأمر سواه ، وهذا حيلة بليغة وجُنّة حصينة يجري معها الشيطان ويبطل كيده .
قد فسّر أبو سليمان ظاهر النصّ الّذي فيه أدوية أمراض الشكّ ووساوس الشيطان في إلقاء النفثات في بواطن النفس الأمّارة ، وهذا المطرود يجتهد في إغواء المريدين بمزخرفاته ، وغرضه أن يشغلهم بردّ مناظرته في طلب الأدلّة وردّ أقواله ، وهذا دأبه مع من عرفه أنّه من أهل استعداد المعرفة الخالصة عن شوائب الاكتساب والولاية الّتي تحصل بغير اجتهاد ؛ فإنّه عدوّ أولياء اللّه ، لذلك أكثر محاربته معهم .
ومن ساعده التوفيق ورشد الإلهام ولمّة الملك عرفه بسمة الطرد وعَلِمَ مكائده ، فإذا تحرّك في أوّل وهلته يردّه بنفس الاستعاذة باللّه من كيده ؛ فإنّه يحترق بنيران الذكر ، ومسند المريد في ذلك ومرجعه اللّه تبارك وتعالى ، فإذا رجع العبد إليه وفرّ منه إليه أعانه على ابليس وأفسد كيده ؛ لأنّ الملعون يأتي إلى المريدين يأمره في منزل امتحانهم إذا امتحنه اللّه تعالى بوسواسه حتّى يكونوا باللّه متعلّقين ممّا سواه ، وهذا الامتحان لا يكون في مبادئ الأحوال ، فإذا تمكّنوا في المعرفة والتوحيد لا يدور الشيطان حولهم بعد ذلك من هذا الباب ، لكن يوجج كلّ وقت نيران شهوات النفس في طبعها ليطلب من صاحبها إلى الممات ما يحتجب به عن مشاهدة الحقّ ، وأكثر

صفحه از 143