المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 133

غير واجبة في حقّ النظر .
وللّه عز و جل لطائف وخصائص يخصّ بها من يشاء من أنبيائه وأوليائه ، ويفردهم بحكمها دون سائر خلقه ، وقد أعطى موسى النبوّة ، واصطفاه بمناجاته وكلامه ، وأيّده حين أرسله إلى فرعون بالمعجزات الباهرة كالعصاء واليد البيضاء ، وسخّر له البحر ، فسار طريقاً يبساً جاز عليه قومه وأولياؤه ، وغرق فيه خصمه وأعداؤه ، وهذه اُمور أكرمه اللّه بها وأفرد بالاختصاص فيها أيّام حياته ومدّة بقائه في دار الدنيا .
ثمّ إنّه لما دنا حين وفاته ـ وهو بشر يكره الموت طبعاً ويجد ألمه حسّاً ـ لطف به بأن لا يفاجيه به بغتة ، ولا يأمر الملك الموكّل به أن يأخذ قهراً أو قسواً ، لكن أرسله إليه منذراً بالموت ، وأمره بالتعرّض له على سبيل الامتحان في صورة بشر ، فلمّا رآه موسى استكبر شأنه واستوعر مكانه ، فاحتجز منه دفعاً عن نفسه بما كان من صكّة إيّاه ، فأتى ذلك على عينه الّتي تركبت في الصورة البشرية الّتي جاءه فيها ، دون الصورة المَلَكية الّتي هو مجبول الخلقة عليها .
ومثل هذه الاُمور ممّا يعلل به طباع البشر وتطيّب به نفوسهم في المكروه الّذي هو واقع بهم ؛ فإنّه لا شيء أشفى للنفس من الانتقام لمن يكيدها ويريدها بسوءٍ ، وقد كان مِن طبع موسى فيما دلّ عليه آيٌ من القرآن حمىً و حدّة ، وقد قصّ علينا الكتاب ما كان من وكزه القبطي الّذي قضى عليه ، وما كان عند غضبه من إلقائه الألواح وأخذه برأس أخيه تجرّه إليه /116/ .
وروي أنّه كان إذا غضب اشتعلت قلنسوته ناراً ، وقد جرت سنة الدين بحفظ النفس ودفع الضرر والهيم ، ومن شريعة نبيّنا صلى الله عليه و سلم ما سنّه فيمن اطّلع على مَحرم قوم عقوبته في عينه وقال : من اطّلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حلّ لهم أن يفقوا عينه . فلما نظر نبيّ اللّه موسى إلى صورة بشرية هجمت عليه من غير إذن يريد نفسه ويقصد هلاكه ، وهو لا يثبته معرفته ولا يستيقن أنّه ملك الموت ورسول ربّ العالمين فيما يراده منه ،

صفحه از 143