المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 134

عمد إلى دفعه عن نفسه بيده وبطشه ، فكان ذلك ذهاب عينه ، وقد امتُحن غير واحد من الأنبياء ـ صلوات اللّه عليهم ـ بدخول الملائكة في صورة البشر ، كدخول الملكين على داود عليه السلامفي صورة الخصمين ؛ لمّا أراد اللّه عز و جل من تعريفه إيّاه بذنبه وتنبيهه على من لم يرضه من فعله ، وكدخولهم على إبراهيم عليه السلام حين أراد هلاك قوم لوط فقال : « قَومٌ مُّنكَرُونَ » وقال : « فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً » ، وكان نبيّنا محمّد صلى الله عليه و سلم أوّل ما بُدي?بالوحي يأتيه الملك فيلتبس عليه أمره .
وكما جاءه جبرئيل عليه السلام في صورة رجل فسأله عن الإيمان لم يثبته ، فلمّا انصرف عنه تبيّن أمره فقال : « هذا جبرئيل جاءكم يعلّمكم أمر دينكم » .
وكذلك كان أمر موسى عليه السلام ، فلمّا جرى من مناوشته ملك الموت وهو يراه بشراً ، فلمّا عاد الملك إلى ربّه عز و جلمستثنياً أمره فيما جرى عليه ردّ اللّه عليه عينه ، وأعاده رسولاً إليه بالقول المذكور في الخبر الّذي رويناه ؛ ليعلم نبيّ اللّه عليه السلام إذا رأى صحّة عينه المفقودة وعود بصره الذاهب أنّه رسول اللّه بعثه اللّه لقبض روحه ، فاستسلم حينئذٍ لأمره وطاب نفساً بقضائه ، وكلّ ذلك رفق من اللّه عز و جل به ولطف منه ، في تسهيل ما لم يكن بدّ من لقائه والانقياد لمورد قضائه .
قد رسم أبو سليمان رضى الله عنه معنى هذا الحديث ما لم يدخل فيه خلل النقص ولا زيادة التكليف ، وما قال فيتنوّر به الفهوم ويتوقّد به أنجم العقول من تصريح برهانه ولطافة بيانه .
وما ذكرت في هذا الحديث في أثناء الكتاب فهو عبارة العارفين ، ۱ بعد ما شمل فيه بيان شواهد المعقولات ، وإنّ موسى عليه السلام كان قد توفّى في عيشه مع اللّه بلا وسيلة الغيرية ، فلمّا حان وقت أجله رأى الغير في البين ، فجاش سرّ محبّته ، وانقلب حقيقة صولة انبساطه ، فهيّجه اُنس الحبيب وغيرة محبّته المنفردة إلى ما صنع بعزرائيل ، وكان

1.قد مرّ الحديث في الرقم ۷۵ من القسم الأوّل .

صفحه از 143