المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 135

ذلك ممّا رأى نفسه في مقام الخطاب بلا رسالة وسيلة ، وكان حاله من بدءه إلى منتهاه حال الصولة والانبساط كما حكى أبو سليمان ، ومن كان /117/ بهذه الصفة لا يَرى لغيراللّه وزناً ، وفي كمال رتبته في ذلك الوقت أنّه كان في منزل الاستقامة متّصفاً بصفات الحقّ وبلغ عين الجمع ، فكان يده يد قدرة اللّه ، لذلك لأثرت في الروحاني ؛ لأنّه قادر على كلّ شيء ، ولمّا ارتفعت الوسيلة صار العين واحدا بلا حجاب . ألا ترى أنّه كان قد انقطع عنه الوحي سنة ؛ وذلك من أمارة بلوغه مشاهدة الأصل وإسقاط الوسائط من بينه وبين حبيبه ، وهذا إشارة لا يعرفها إلاّ أهل التوحيد من الموحّدين الموصوفين بعين الجمع وعين الالتباس والاتّصاف بحقيقة الهيبة . . . ۱ مقام الوصلة .
وقد ذكرتُ في أثناء كتابي هذا شرح مشايخنا بعض أحاديث النبيّ صلى الله عليه و سلم ، ورصعتُ آخره بتفسير الشيخ الإمام أبو سليمان الخطابي ، ما ذكره في لطائف الحديث ، وما ذكرت من تفاسيره الحديث إلاّ نبذةً من طرفها و . . . ۲ حقائقها ، وما وشّحت به كتابي من تفسيره أكثره من أعلام الحديث الّذي رسمه رحمه الله ؛ ليكون دليلاً لكتابنا ومقوّياً لتفسيرنا ، واللّه أعلم بالصواب . ۳

1.في النسخة الأصل بقدر كلمة بياض .

2.وكتب في آخر نسخة الأصل : « تمّ نسخ هذا الكتاب بتوفيق اللّه وعونه ، في تاسع عشر ربيع الثاني سنة خمس وتسعين وثمانمئة هجرية بمحروسة شيراز حرست عن الاعواز ، وغفر لكاتبه ولمن نظر فيه » . وكتب في حاشية النسخة : «بلغت المقابلة بقدر الطاقة والإمكان مع نسخةٍ صحيحةٍ ، وللّه الحمد والمنّة، وعليه التكلان » . وكتب في الورق الآخر من النسخة بخطّ النسخة ـ وأظنّ أنّه من كلام المصنّف أيضاً ـ هذه العبارة : «قيل : أوّل التصوّف علم ، وأوسطه عمل ، وآخره موهبة ؛ فالعلم يكشف ... ، والعمل يعين على القلب ، والموهبة تبلغ غاية أهله . وأهله ثلاث طبقات : مريد طالب ، ومتوسّط سائر ، ومنتهٍ واصل ؛ فالمريد صاحب وقتٍ ، والمتوسّط صاحب حال، والمنتهي صاحب نفس ، وأفضل الأشياء عندهم عدّ الأنفاس . فالمريد متعوب في طلب المراد ، والمتوسّط مطالب بآداب المنازل ، وهو صاحب تلوين ؛ لأنّه يرتقي من حال إلى حال وهو في الزيادة ، والمنتهي ـ وهو الواصل ـ محمول قد جاوز المقامات وهو في محلّ التمكين ، لا يغيّره الأحوال ، ولا يؤثّر فيه الأهوال ، كما قيل عن زليخا ، لمّا كانت صاحبة تمكين في شأن يوسف عليه السلام لم يؤثّر فيها رؤية يوسف كما أثّرت في اللواتي قطّعن أيديهنّ وإن كانت أتمّ منهنّ ، فمقام المريد المجاهدات والمكابدات وتجرّع المرارات ومجانبة الحظوظ ، وما للنفس فيه متعة . ومقام المتوسّط ركوب الأهوال في طلب المراد ، ومراعاة الصدق في الأحوال ، واستعمال الأدب في المقامات . ومقام المنتهي الصحو والتمكين وإجابة الحقّ ، من حيث قد استوى حال الشدّة والرخاء ، والمنع والعطاء ، والجفاء و الوفاء ؛ أكله كجوعه ، ونومه كسهره ، قد فنيت حظوظه ، وبقيت حقوقه ، ظاهره مع الخلق ، وباطنه مع الحقّ ، وكلّ ذلك منقول من أحوال النبيّ صلى الله عليه و سلم وأصحابه رضي اللّه عنهم أجمعين . أوّله صلى الله عليه و سلم كان يتخلّى في غار حرا ، ثمّ صار مع الخلق بلا فرق عنده بين الخلوة والجلوة ، وكذلك أصحاب الصفّة صاروا في حالة التمكين اُمراء ووزراء ؛ فإنّ المخالطة لا يؤثّر فيهم . اللّهمّ ارزقنا الاقتفاء بهداهم ، بمنّك ورحمتك يا غياث المستغيثين» .

صفحه از 143