أي : حفظُ الأمانة الّتي عرضت على السماوات والأرض والجبال ـ وهي المعرفة والميثاق الأوّل ـ تجلب رزق مشاهدة اللّه وجلاله ، والخيانة فيها بنقض العهد والاشتغال بغير اللّه تجلب فقرَ اليقين والمحبّةِ والمعرفةِ .
۲۱۳.وقال صلى الله عليه و سلم :الأوّاه الخاشع المتضرّع . ۱
إذا بلغ العارفُ مقامَ المحبّةِ والعشقِ والشوقِ ، وفنى بنعت الخشوع والتضرّع في نعوت عظمة اللّه ، تراكمت على قلبه أثقال سحائب الغموم ، فيتصوّت رعدُ العشقِ في خلال غمام الخوف ، فيصير العاشق أوّاهاً خاشعاً ، كما قال تعالى في وصف الخليل : « إنَّ إبراهيم لأوّاهٌ حليمٌ » .۲
۲۱۴.وقال صلى الله عليه و سلم :إنّ اللّه لا يؤاخذ المزّاحَ الصادقَ في مزاحه . ۳
مزاح الصادق يأتي من فرح قلبه باللّه ، يريد بذلك بسط أحوال همّته وترويح سرّه وسكونه ساعة من حمل واردات حقائق الغيب ، لذلك قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقت استغراق سفينة سرّه في بحار عظمة اللّه تعالى لعائشة : «كلّميني يا حميرا !» . ۴
وكان صلى الله عليه و سلم فيه دعابة ، وكان مخلوقاً بخلق الملكوت ، يمزح من رأس العشق وتواصل الأحزان مع أهل العرفان .
۲۱۵.وقال صلى الله عليه و سلم :إنّ اللّه لم يحبّ أنْ يشقّ عليكم طرفة عين ، فمن لم يقدر على عمل إلاّ بمشقّة فلا يأتينّه ؛ فإنّ اللّه قد وضع المشقّة عنه ، ومن صدع له رأس فأحبّ أن يصلّي قاعداً وله أجرُ قائم . ۵
هذا إشارة إلى من خُلق روحانياً له استعداد الاستيناس بروح المعرفة في مقام المراقبة والمشاهدة ، أنْ لا يحمل على نفسه مشقّة المجاهدات ؛ فإنّها تحجبه عن صفاء
1.روض الجنان ، ص۶۰ ؛ كنزالعمال ، ج۲ ، ص۲۶ ؛ الدر المنثور ، ج۳ ، ص۲۸۵ .
2.سورة التوبة ، الآية ۱۱۴ ؛ وفي سورة هود ، الآية ۷۵ : « إنّ إبراهيمَ لَحليمٌ أوّاهٌ منيبٌ » .
3.كنزالعمال ، ج۳ ، ص۶۴۹ .
4.المحجة البيضاء ، ج۵ ، ص۱۷۹ ، وفيه : «كلّميني يا عائشة» .
5.لم يوجد في المصادر .