لذلك قال عليه الصلاة والسلام : البلاء موكّل بالأنبياء ، ثمّ الأمثل فالأمثل . ۱ وقال : نحن معاشر الأنبياء أشدّ بلاءً . ۲ لمّا عظم شأنهم اشتدّ بلاؤهم ، واشتدّ عداوة عدوّهم معهم ، وازداد شهوتهم لرقّة طينتهم وصفاء جوهرهم وكمال معرفتهم ؛ ليكونوا في كلّ الأنفاس في محاربة هذه الجنود المتفرّقة ، ويزيد بمجاهدتهم معرفتهم بربّهم وقربتهم منه .
قال تعالى : « لِيَبْلُوَكم أيُّكم أحسنُ عملاً »۳ عجّن طينة آدم في قبضة القهر بسرّ المقادير الأزلي ، فينبت من طينته أشجار معلوماته من الطاعة والعصيان ، ثمّ أثمرت في خريف الامتحان ثمرات الخذلان ، وفي ربيع القبول العفو والغفران .
وتفصيل هذه الجملة : أنّ مراد الحقّ عجز أهل الخشوع وتواضعُ أهل الغنا ، عند سلطان كبريائه ، وإظهار فضله على عباده ، وتناول كرامته على أهل عصيانه ، وزبدة هذه المعاني ـ في طينة أهل الأماني ـ من نعوته القدميّة الّتي تناثرت إلى العالم أنوار اللفظيات ونيران القهريات ؛ وإذا كان صفاته في الأزل لا يخلو من القهر واللطف ، لا يخلو طينته آدم من هذه المعجونات ؛ إذ هو في عين الجمع ، مستحيل مفارقة الأشياء من تأثير نعوته القدمية .
۲۴۰.وقال صلى الله عليه و سلم :في جواب أبي ذرّ إذا سأله : هل رأيت ربّك ؟ قال : رأيت نوراً ، وفي رواية عنه قال : نوراً إنّي أراه . ۴
عبّر عن مشاهدة اللّه بالنور ، والنور صفته ، فعبّر عن الصفة بالنور ، وذلك لمّا حضر الحضرة ، بتجلّي الحقّ تعالى في بدو المعراج ، فاستغرق ـ عليه الصلاة والسلام ـ في سبحات ذاته ، واضمحلّ في عظمة جلاله ، فلم يطق أن ينظر في عين الذات من غلبة
1.المحجة البيضاء ، ج۷ ، ص۵۲ ، مع اختلاف يسير .
2.مستدرك الوسائل ، ج۲ ، ص۴۳۹ ؛ مصباح الشريعة ، ص۱۸۳ ؛ بحارالأنوار ، ج۶۴ ، ص۲۳۱ .
3.سورة هود ، الآية ۷ .
4.كنزالعمال ، ج۱۱ ، ص۴۰۰ ؛ الدر المنثور ، ج۶ ، ص۱۲۵ .