المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 59

مَن يُحبّ اللّه تعالى وسيلة إلى محبّته ، والإيمان لا يؤثر في صمم الفؤاد حتّى وقع عليه نور المحبّة ، ويورث نور المحبة حلاوة الإيمان إلى الجنان ، والإيمان لا يوجد حلاوته في قلب المؤمن حتّى يتطرّق مِن مقامه إلى مقام المحبّة .
وذلك ما أشار عليه الصلاة والسلام ، قال : ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان ، من كان اللّه ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما . الحديث . ۱ ولم يعلّق بهذه المحبّة شيئاً مِن العمل .
فإنّ حقيقة المحبّة الخالصة هي الّتي تجرّدت بأصل الاصطفائية الأزلية عن الطاعة والمعصية ، ألا يرى قوله صلى الله عليه و سلم في زجر مَن سبَّ المجلود أربع مرّات بشرب الخمر : دَعْهُ فإنّه يحبّ اللّه ورسوله .
أفهمه أنّ صفو المحبّة هي الّتي لا يتغيّر بالبرّ والجفا ؛ فإنّهما عارضان يتعرّضان إلى ذوي الهيئات مِن المحبّة عند عثراتهم ، فيفنى العارض ويبقى الأصل كما كان ، وهذه محبّة الأرواح الّتي وجدتها في زمان تعريف اللّه إيّاها نفسه تعالى قبل كون الصور وعلل الطاعة والمعصية حين قال تعالى : « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ »۲ ، لكن محبّة القلوب بعد ثبوت الأرواح في الأشباح يتعلّق بموافقة المحبوب ، كما قال تعالى : « قل إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ »۳ الأوّل منفرداً عن الوسائط والثاني متعلّقاً بالوسيلة ؛ لأنّ الأوّل وقع من تجلّي الذات والصفات ، والثاني وقع من الآلآء والأفعال .

۲۵۴.وقال صلى الله عليه و سلم :لابن مسعود : اقرأ علَيّ ! قال : أقرؤهُ عليك ، وعليك اُنزل ؟ قال : اُحبّ أن أسمعه من غيري . ۴ فقرأه عليه حتّى هيّجه ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى الوجد والبكاء .
فيه بيان أنّ كلام الأزلي منزّه عن الأهلية والفراسة بواحد من أهل الحدثان وإن كان نبيّاً مرسلاً ؛ لأنّ القديم لم يمازج بالحدث من جميع الوجوه ، وأنّ عجائبه وغرائبه

1.مسند أحمد ، ج۳ ، ص۲۸۸ ؛ صحيح البخاري ، ج۱ ، ص۱۱ ؛ صحيح مسلم ، ج۱ ، ص۴۸ .

2.سورة الأعراف ، الآية ۱۷۲ .

3.سورة آل عمران ، الآية ۳۱ .

4.مسند أحمد ، ج۱ ، ص۳۷۴ ؛ كنز العمال ، ج۱۳ ، ص۴۶۵ .

صفحه از 143