المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 75

فيشغله ذلك من مشاهدة الحقّ وملاحظته ، فيستغفر منها .
وقيل : إنّ تلك الإغانة ما يرى من زوائد المبارّ والإنعام عليه من ربّه ، فربما شغله النعمة والبرّ عن المنعم والبارّ لحظةً ، فيستغفر من تلك اللحظة ؛ فإنّ الجنيد رحمه الله قال : إيّاكم والاستناد إلى النعم ؛ فإنّها تقطع عن المنعم .
وقيل : إنّ اللّه تعالى رزق الخلق بالأسباب ، فمن شهدها قطعه من المسبّب ، وربما شاهد النبيّ صلى الله عليه و سلمشيئاً من الأسباب فيجد في قلبه منها إغانةً ، فيستغفر منها في الوقت .
وقرأ قارئٌ بين يدي الحصري : « وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّهَ »۱ فقال : لمّا قال النبيّ صلى الله عليه و سلمفوّضت أمري ، عوتب في ذلك فقيل : لك معنا أمرٌ ؟ ! ۲ فاستغفر ، فقال : أعوذ بك منك ۳ ، وتلك الإغانة .
وقيل : [ لمّا نزلت ] « اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً » اعتصم النبيّ صلى الله عليه و سلم بالقرآن ، فلمّا نزلت : « وَاعْتَصِمُوا بِاللّهِ » استغفر من الاعتصام بحبل اللّه ،وهي الإغانة .
وقيل : لمّا رأى النبيّ صلى الله عليه و سلم من شدّة قوّة أصحابه وقتالهم بين يديه أنزل اللّه : « فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللّهَ رَمَى »۴ أشهده الفعل وبرّأه منه بالنيابة عنه ، فاستغفر من ذلك وهي الإغانة .
وقال الجنيد رحمه الله : الإغانة مثل الغيم الرقيق لا بقاء له ، وكان النبيّ صلى الله عليه و سلم /80/ لدوام اتّصاله وصفاء أحواله ربما يحسّ بشي منه لحظة أو أسرع من لحظة ، فيستغفر منها .
وقيل : الإغانة لا يؤثّر إلاّ في أصفى قلب ، وهي قلب أصفاه له ربّه وأزال عنه الهواجس والظنون ، وذلك قلب النبيّ صلى الله عليه و سلم ؛ فإنّه أصفى القلوب .
وقال بعضهم : كان قلب النبيّ صلى الله عليه و سلم مروّحا بالإيمان والمعرفة ، فإذا وجد في قلبه

1.سورة غافر ، الآية ۴۴ .

2.إشارة إلى سورة آل عمران ، الآية ۱۲۸ ، الّتي خاطب اللّه بها نبيّه وقال : « لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ » .

3.قد مرّ في القسم الأوّل في الرقم ۱۴۳ .

4.سورة الأنفال ، الآية ۱۷ .

صفحه از 143