المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 91

الخلق كلّهم المعاصي من /89/ جهة الخوف وتَركَه سالم للمحبّة » فإنّ المحبّة يقتضي على المحبّ الموافقة واجتناب المخالفة ؛ فإنّ سالماً من تمام محبّته وموافقته ليس للمخالفة عليه طريق ، فإنّه شديد المحبّة لربّه .
وقيل أيضاً فيه : لو لم يكن خاف اللّه ما عصى مراده وطبعه وشهوته ونفسه .
وأقول في هذا الحديث معنى آخر : إنّ محبّة اللّه تعالى مقرونة بالخوف ، والخوف مقرونٌ بالرجاء ، فيحبّ المحبّ بالحبّ موافقة الحبيب ، وبالخوف يترك مخالفته ، وبالرجاء يحسن ظنّه باللّه ، فيجري عليه أحكام الجرأة من تأثير برد اليقين من مقام الأمن بتوقّعه الفرح باللّه إلى منزل الرفاهية ، فيجري عليه بغير اختياره هفوات النفس ، وذلك من اللّه تعالى عليه زيادة المنّة ، فيندم من ذلك ؛ ويزيد خوفه من اللّه ، ورجاؤه إلى اللّه ، ومحبته للّه .
ومعناه : أنّ سالماً قد بلغ غاية الحبّ للّه ، ومن حبّه للّه يخاف من اللّه ومن خوفه من اللّه يريد أن يسلك مسلك العصاة حتّى يزيد خوفه ومحبّته ، من دقيقته أنّ مَن خاف اللّه تعالى لا يريد أن يعصيه ، لكن اللّه تعالى يجري عليه حكم الامتحان ؛ ليكثر حزنه وهمومه للّه وفي اللّه .
ومن إشارته صلى الله عليه و سلم في قوله : « لو لم يكن يخاف اللّه ما عصاه » أنّ مَن لم يبلغ مقام المحبّة المقرونة بالخوف لم يأت منه حقيقة العصيان ؛ لأنّ حقيقة العصيان ما وقع بعد المعرفة باللّه تعالى ، وما قبل المعرفة لم يكن عند اللّه بشيء ، لذلك قال تعالى للحواريّين عليهم السلام : « فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ » 1 .
وانظر إلى شأن آدم وجميع الأنبياء عليهم السلام في عصيانهم ، فإنّها قد وقعت بعد العرفان ؛ امتحاناً في العبودية ، وزيادةً في القربة والمعرفة ، قال تعالى : « ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ » 2 « وَإِنَّ لَهُ

1.سورة المائدة ، الآية ۱۱۵ .

2.سورة طه ، الآية ۱۲۰ .

صفحه از 143