المكنون في حقائق الكلم النبويّة (2) - صفحه 93

من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا اُحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك . ۱
قال : يقول اللّه عز و جل : « وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ »۲ فوجد رسول اللّه صلى الله عليه و سلمفي سجوده معنى من القرب فقال : أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، فاستعاذ بصفاته من صفاته ، ثمّ شاهد معنىً آخر من القرب ما اندرج فيه القرب الّذين شاهد به الصفات والنعوت ، فقال : أعوذ بك منك ؛ لأنّه قد كان إستعاذ بصفاته من صفاته ، فلمّا استعاذ به لم يكن المستعاذ به إلاّ منه ، ثمّ زيد في قربه ووجد من المشاهدة معنىً أفناه من الاستعاذة به ، فقال : لا أحصي ثناءً عليك ، فاحتشم من الاستعاذة في محلّ القرب والالتجاء إلى الثناء عليه ، ومن لم يطق الاستعاذة الّتي هي حدّ العبوديّة فكيف يطيق الثناء وهو صفة الربوبية ، فلذلك قال : لا أحصي ثناء عليك .
ثمّ احتشم أيضاً من الثناء عليه في محلّ القرب ، بما أثنى اللّه على نفسه قبل الخلق ، وحمد نفسه قبل حمدهم له ، وشهد لنفسه بالوحدانية قبل شهادتهم له ، فقال : أنت كما أثنيت على نفسك ، وهذا نهاية حقيقة التفريد وحقيقة التجريد أن يذهب العبد ويتلاشى كما لم يكن ، فيكون اللّه كما لم يزل ، فلو جُمع جميع إشارات العارفين الواجدين والمتحقّقين في التوحيد ، لم يبلغ عشر معيار ما أشار إليه رسول اللّه صلى الله عليه و سلم في هذا المعنى .

۳۱۸.وقيل أيضاً في معنى قول النبيّ صلى الله عليه و سلم :لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ، ولخرجتم إليّ ، ولما تقاررتم على الفرش . ۳
وقالوا : لو أنّ الّذي علم رسول اللّه صلى الله عليه و سلم كان من العلوم الّذي اُنزل عليه وأمر بإبلاغه ، لبلّغهم ذلك ، ولو علم ذلك أصحابه لم يقل : « لو تعلمون » ، ولو علم أنّهم يطيقون ذلك

1.مستدرك الوسائل ، ج۴ ، ص۳۲۱ ؛ سنن النسائي ، ج۱ ، ص۱۰۲ وج۳ ، ص۲۴۹ ؛ مسند أحمد ، ج۱ ، ۹۶ ، وج۶ ، ص۲۰۱ . وقد مرّ الحديث في الرقم ۲۲۱ ، وذيله في ۱۴۳ .

2.سورة العلق ، الآية ۱۹ .

3.سنن النسائي ، ج۳ ، ص۱۳۳ ؛ سنن الترمذي ، ج۳ ، ص۳۸۱ ؛ السنن الكبرى ، ج۷ ، ص۵۲ ؛ معاني الأخبار ، ص۳۸ ؛ عوالي اللئالي ، ج۴ ، ص۱۰۸ ، مع اختلاف يسير في المصادر .

صفحه از 143