عيون الحكم و المواعظ، للواسطي - صفحه 274

وأشهد أن لا إلـه إلّا الله وحدَه لا شَرِيك له، شهادةً أدَّخِرُها ليومٍ تَزِلُّ فيه القدَم. وأشهَد أنّ مُحمّداً صلّى الله عليه و آله و سلّم عبدُه ورَسولُه، المَبعوثُ إلى سائِر الأمَم، مَنْ بشريعته الغَرّاء لسائِر الشَرائِع ختَم، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطّيّبين الطّاهِرين، اُولي البَيت والحرَم، والمَقام وزَمْزَم. وعلى المُنتَجَبين من أصحابه، المخصوصين بالدِّين والكرَم.

أمّا بعد:

فإنّ الذي حَداني على جَمْع فرائِد هذا الكتاب، مِن حِكَمِ أمير المؤمنين أبي تُراب، ما بلغني مِن افتِخار أبي عُثمان الجاحِظ حين جمَع المائة حِكمة الشارِدة عن الأسماع، الجامعة أنواع الانتِفاع، التي جَمَعها من كلام أمير المُؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ، فكثُرَ تعَجُّبي منه، وزاد تفَكُّري فيه، مع كونِه علّامة زَمانِه، ووَحيداً في أقرانِه، مع مامُنِح له من غَزارةِ الفَهْم، وخُصّ به من خصائِص العلم، كيف رَضِيَ لنفسِه أن يقنَع مِن البَحْربالوَشَل؟ ومن الكثير بالأقلّ؟
ولِكَوني رأيتُ أكثَر طالِبي العلم، مَغرورِين بزَخارِف المُمَوِّهين، مُنحَرِفين عن سُنَنِ الحَقّ ووضوح البَراهين؛ لأنّ العِلم غزيرٌ وليس كلّه بنافِع، والخَلقُ كثيرٌ وليس كلّه للصّواب بتابِع.
فألزَمتُ نفسي أن أجمَع قليلاً من حِكَمِه، ويَسيراً من خَطير كَلِمِهِ، مجموعةً من بَلاغاتِه وَعِظاتِه وآدابه وأدعِيَتهِ ومُناجاته، وأوامِره ونَواهيه وزَواجِره، ما تخرَسُ البُلغاءُ عن مُساجَلَتِه، وتُبلِس الحُكَماء عن مُشاكلَتِه.
وما أنا ـ عَلِمَ اللهُ تعالى ـ إلّا كالمُغتَرِف من البَحرِ بكَفِّه، والمُعتَرِف بالتَقْصِير في وَصْفِه، وكيف لا؟ وهو عليه السّلام الشارِبُ مِن اليَنْبُوعِ النَبَويّ، والجاري بين جَنْبَيهِ العِلمُ اللاهوتيّ.
خاصّة مع كُسوفِ البالِ، وقُصوري عن رُتْبَةِ الكَمال، واعتِرافي بالعَجْز عن

صفحه از 307