الشواهد الشعرية و مناسباتها في الكتب الأربعة الحديثيّة - صفحه 98

الشاهد فيه: قوله: (قضى كلّ ذي دينٍ فوفّى غريمه) وقد استشهد به الشيخ الطوسي على أنّ الكلام إذا حصل فيه عاملان أحدهما قريب والآخر بعيد، فإعمال الأقرب (وهو الفعل الثاني) أولى من إعمال الأبعد.
والعبارة التي هي موضع الشاهد من باب التنازع، فقد تقدّم عاملان وهما قوله (قضى) وقوله (وفّى) وتأخّر عنهما معمول واحد، وهو قوله (غريمه) وكلّ واحد من العاملين المتقدّمين يطلب المعمول المتأخر مفعولاً، وقد أعمل الشاعر العامل الثاني منهما في لفظ المعمول، والدليل على أنّه أعمل الثاني هنا أنّه لم يصل ضمير المعمول بالعامل الثاني، لأنّه لو كان قد أعمل الأوّل لوجب أن يقول: (قضى كلّ ذي دين فوفّاه غريمه) على أن يكون التقدير قضى كلّ ذي دين غريمه فوفّاه.
وقد أورد الشيخ الطوسي هذا الشاهد في معرض حديثه عن آية الوضوء، قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم۱.
فقد قيل : إنّ قراء ة نصب الأرجل لا تقتضي إلا الغسل، ولا تحتمل المسح، لأنّ عطف الأرجل على موضع الرؤوس في الإيجاب توسّع وتجوّز، والظاهر والحقيقة يوجبان عطفها على اللفظ لا الموضع.
فقال الشيخ في ردّه: ليس الأمر على ما توهّمتم، بل العطف على الموضع مستحسن في لغة العرب، وجائز لا على سبيل الاتّساع والعدول عن الحقيقة، والمتكلّم مخيّرٌ بين حمل الإعراب على اللفظ تارة، وبين حمله على الموضع أُخرى، وهذا ظاهر في العربية مشهور عند أهلها، وفي القرآن والشعر له نظائر كثيرة.
على أن لو سلّمنا أنّ العطف على اللفظ أقوى، لكان عطف الأرجل على الرؤوس أولى مع القراء ة بالنصب، لأنّ نصب الأرجل لا يكون إلا على أحد

1.سورة المائدة: ۵ / ۶.

صفحه از 120