الحشويّة الأميريّون - صفحه 18

فإنّ هذا يدلّ على الطاعة للاُمراء الذين تأمّروا عن أهلّيةٍ ولياقةٍ ، لا بالقهر والغلبة والقوّة ورغم إرادة الناس والشارع ، ويقتضي - أيضاً - أن تكون سيرتهم بالحقّ ، وإلّا وجب ردّهم إلى الحقّ ، من دون مداراةٍ لهم أو مجاراةٍ .
وفي قوله : «وأن نقول الحقّ أينما كان ، ولانخاف في اللَّه لومة لائمٍ» إيعازٌ إلى المعارضة لمن يخالف الحقّ من الاُمراء ، وتحريضٌ على عدم الخوف والتقاعس .
ولنسمع تطبيقاً لحديث عبادة بن الصامت ، من لسانه ، وهو تفسير عمليّ ، لما فهمه : إنّ عبادة بن الصامت مرّت عليه قطارة - وهو بالشام - تحمل الخمر! فقال : ما هذه؟ أزيتٌ؟ قيل : لا ، بل خمرٌ يُباع لفلان! فأخَذَ شَفْرةً من السوق ، فقامَ إليها ، فلم يَذَرْ فيها راويةً إلّا بَقَرَها .
وأبو هُريرة إذ ذاك بالشام ، فأرسل فلانٌ إلى أبي هريرة ، فقال : أتمسك عنّا أخاك عبادة؟ أمّا بالغدوات ، فيغدوا إلى السوق يُفسد على أهل الذمّة متاجرهم .
وأمّا بالعشيّ فيقعد في المسجد ليس له عمل إلّا شتم أعراضنا وعيبنا .
فأتاه أبو هريرة ، فقال : ياعبادة ، ما لك ولمعاوية ، ذَرْهُ؟ وما حمل .
فقال : لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وألّا تأخذَنا في اللَّه لومةُ لائمٍ .
فسكت أبو هريرة .
وكتب معاوية إلى عثمان : إنّ عبادة بن الصامت قد أفسد عليّ الشام وأهله ، فإمّا أن تكفّه إليك ، وإمّا أن اُخلّي بينه وبين الشام . فكتب إليه : أنْ رَحِّلْ عبادة حتّى تُرجعه إلى داره بالشام .
فدخل على عثمان ، فلم يفجأهُ إلّا وهو معه في الدار ، فالتفت إليه ، فقال : ما لنا ولك؟
فقام عبادة بين ظهراني الناس؟ فقال : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : «سيلي اُموركم بعدي رجالٌ يعرّفونكم ما تنكرون؟ وينكرون عليكم ما تعرفون ، فلا

صفحه از 88