وأمّا اليوم فهو مفخرةٌ حضاريّةٌ ، يمكننا أن نفهمها فقط ، لا أن نطبّقها ونجعلها لنا دستوراً وقانوناً ، لأنّه لم ينزلْ إلينا ، ولم يخاطبْنا ، وقد اختلفت ظروف لغته وخطابه ، عن لغتنا ومداليل ألفاظنا ، فالخطاب العربيّ والبيان العربيّ - اليوم - لابدّ أن يوازي العقل العربيّ المعاصر ، وليس الخطاب التراثيّ الإسلاميّ - في قرآنه وحديثه - قابلاً لمواجهة العقل المعاصر ! ! ! .
وهكذا ، يحاولون أن يقيّدوا النصوص الإسلاميّة باُطر من القدم ، ويخرجونها من ساحة الإفادة ، فتكون الرسالة الإسلاميّة محدّدةً بظروف زمانيّة ومكانيّة خاصّة ، بل مميّزة بخصوصيّات العبارة والخطاب والإدراك والمحاورة ، والعقليّة التي كانت عند المخاطبين بها .
وهدفهم من هذه المحاولة : تفريغ الاُمّة من النصوص الإسلاميّة المقدّسة ، ومداليلها ، لتلجأ بعد الفراغ إلى ما يُمليه هؤلاء المعاندون العائدون من الغرب من مناهج حياة غربيّة بما لها من فكرٍ جديدٍ ، وعقلٍ جديدٍ ، وأدبٍ جديدٍ ، وفنٍّ جديدٍ وحضارةٍ جديدةٍ .
ويدعمون محاولتهم بإغراء الناس بما يأخذونه من الغرب من صناعة حديثة ، وتكنولوجيا حديثة ، وآلة حديثة .
إنّ هذه المحاولة ، كذلك هي للخلط بين صناعة الغرب الحديثة ، وبين الآيدولوجية الغربيّة الخبيثة ، المعارضة للدين والإيمان والخُلُق والأعراف ، ذلك الخلط المتعمّد الذي زيّفناه سابقاً .
فمع ذلك ، فإنّ هذه الحرب تعتمد أساساً على الجهل بما للإسلام من قواعد واُصول ، قد تحطّمت عليها تلك الشُبَه والتشكيكات .
فعلماء اُصول الفقه قد أشبعوا كلّ تلك البحوث درساً وبحثاً ، وفنّدوا كلّ المزاعم المذكورة ، وملأوا كلّ الفجوات المتصوّرة ، في خلال كتبهم عن مصادر المعرفة الإسلامية .