17
مكاتيب الأئمّة ج5

أصحاب الدنيا كنوزهم ، و قال عليّ عليه السلام في وصف أهل بيته عليهم السلام :
«موضع سرّه ، و لجأ أمره ، و عيبة علمه ، و موئل حكمه ، و كهوف كتبه ، و جبال دينه » . ۱
و « الكتب » جمع أُريد به الكتب العديدة الكثيرة ، لا القرآن فقط ، و لذا قال المعتزلي في الشرح : و كتبه : يعني القرآن والسنّة عندهم ، فهم كالكهوف له لاحتوائهم عليه ، و واضح أنّ المراد هو السنّة المكتوبة الموجودة المحفوظة عندهم ، بقرينة المقابلة مع قوله : « و عيبة علمه » . ۲
و الضمائر الثمانية راجعة إلى محمّد صلى الله عليه و آله ، كما مرّ ذكره في أوائل الخطبة ، و هذا هو الأظهر بقرينة المقام ، لا ما يظهر من ابن ميثم حيث أرجع الضمير إلى اللّه تعالى ، و قال : إنّ المراد من كتبه تعالى : القرآن و سائر الكتب السماوية .
و هذه كتب أمير المؤمنين عليه السلام الّتي نقلها جهابذة العلم في الفنون المختلفة من العلوم الإسلامية ، وكانت من الكثرة بحيث اختار منها الشريف الرّضيّ ـ رضوان اللّه عليه ـ على عادته في النهج طائفة ، و ما تركها أو فات عنها كثير جدّا ، و لعمري إنّ كتبه صلوات اللّه عليه من ذخائر الإسلام ، يجب على كلّ مسلم منصف أن يدرسها و يتعلّمها و يتأدّب بها و يستعين بها في دينه و دنياه .
هذا ، و قد اتّبع أثره صلوات اللّه عليه بنوه المعصومون الأطهار عليهم السلام في كتابة العلم ، فإنّهم عليهم السلام مع وجود الموانع الّتي أوجدها الأعداء الألدّاء الأمويّون ؛ الشجرة الملعونة و شيعتهم و مواليهم الملعونون ، و بعدهم العبّاسيون ، حتّى إنّ الحسنين عليهماالسلامطيلة حياتهما لم يُسألا عن شيء من أحكام الدين و حقائقه إلّا فيما ندر وشذّ ، و لأجل ذلك لا يوجد عنهما في كتب الحديث إلّا ما نقله عنهما آلهما و قليل من غيرهم . نعم ، إنّهم مع وجود الموانع الكثيرة قد كتبوا في أجوبة المسائل الكلامية أو الفقهية ، كما و كتبوا العديد من الرّسائل في المسائل الهامّة ، كالتوحيد و الإمامة و الحقوق و العلل و ... .

1.نهج البلاغة : الخطبة ۲ .

2.راجع : منهاج البراعة :ج۲ ص۳۱۴ و ما بعدها ، شرح ابن ميثم :ج۱ص۲۴۵،نهج الصدق :ج۳ ص۴۸ ومابعدها .


مكاتيب الأئمّة ج5
16

ويأمر سبحانه وتعالى المسلمين بالكتابة في الاُمور الجارية المتعارفة في معاملاتهم ، ويقول : «فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ»۱ و «وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبُ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْـئا فَإِن كَانَ الَّذِى عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلَا تَسْـئمُواْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَ لِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَـدَةِ وَأَدْنَى أَلَا تَرْتَابُواْ...»۲ . و يشير إلى الحكمة الداعية إلى الأمر بها .
أو استرشادا ممّا يحكم به العقل السليم من أنّ الكتابة فيها ضبط أدقّ و أوفى ، و لا سيما لجزئيات الاُمور ، و أنّها وسيلة ناجحة لتقديم الخيرات للأجيال اللّاحقة ، و تعاون البشرية على بناء حياتها ، و أنّها تمثّل تراثا و وثائقا قويّةً تساعد كثيرا على دراسة كثير من الحالات و الظواهر الّتي قد لا تجد من يعبّر عنها في الظروف العادية لولا هذا الكتاب .
كما أنّ الكتابة تمثّل التاريخ و الحضارة في الأقوام البائدة و مقدار الحضارة الغابرة .
و أوّل من عمل بوصية رسول اللّه صلى الله عليه و آله في كتابة السنن و الأخلاق و التفسير و الفقه و كلّ العلوم النبويّة ، هو وصيّه و وزيره و ابن عمّه و أبو ولده أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، فإنّه كتب عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلّ ما يحتاج إليه النّاس إلى يوم القيامة ، بإملائه صلى الله عليه و آله ، كما أوردناه في مكاتيب الرّسول صلى الله عليه و آله الفصل التاسع من المقدّمة .
و كان أهل بيته عليهم السلام الوارثون لهذه الكتب ، يفتخرون بها و يدّخرونها كما يدّخر

1.النور : ۳۳ .

2.البقرة : ۲۸۲ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    فرجی، مجتبی
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 110658
صفحه از 464
پرینت  ارسال به