أصحاب الدنيا كنوزهم ، و قال عليّ عليه السلام في وصف أهل بيته عليهم السلام :
«موضع سرّه ، و لجأ أمره ، و عيبة علمه ، و موئل حكمه ، و كهوف كتبه ، و جبال دينه » . ۱
و « الكتب » جمع أُريد به الكتب العديدة الكثيرة ، لا القرآن فقط ، و لذا قال المعتزلي في الشرح : و كتبه : يعني القرآن والسنّة عندهم ، فهم كالكهوف له لاحتوائهم عليه ، و واضح أنّ المراد هو السنّة المكتوبة الموجودة المحفوظة عندهم ، بقرينة المقابلة مع قوله : « و عيبة علمه » . ۲
و الضمائر الثمانية راجعة إلى محمّد صلى الله عليه و آله ، كما مرّ ذكره في أوائل الخطبة ، و هذا هو الأظهر بقرينة المقام ، لا ما يظهر من ابن ميثم حيث أرجع الضمير إلى اللّه تعالى ، و قال : إنّ المراد من كتبه تعالى : القرآن و سائر الكتب السماوية .
و هذه كتب أمير المؤمنين عليه السلام الّتي نقلها جهابذة العلم في الفنون المختلفة من العلوم الإسلامية ، وكانت من الكثرة بحيث اختار منها الشريف الرّضيّ ـ رضوان اللّه عليه ـ على عادته في النهج طائفة ، و ما تركها أو فات عنها كثير جدّا ، و لعمري إنّ كتبه صلوات اللّه عليه من ذخائر الإسلام ، يجب على كلّ مسلم منصف أن يدرسها و يتعلّمها و يتأدّب بها و يستعين بها في دينه و دنياه .
هذا ، و قد اتّبع أثره صلوات اللّه عليه بنوه المعصومون الأطهار عليهم السلام في كتابة العلم ، فإنّهم عليهم السلام مع وجود الموانع الّتي أوجدها الأعداء الألدّاء الأمويّون ؛ الشجرة الملعونة و شيعتهم و مواليهم الملعونون ، و بعدهم العبّاسيون ، حتّى إنّ الحسنين عليهماالسلامطيلة حياتهما لم يُسألا عن شيء من أحكام الدين و حقائقه إلّا فيما ندر وشذّ ، و لأجل ذلك لا يوجد عنهما في كتب الحديث إلّا ما نقله عنهما آلهما و قليل من غيرهم . نعم ، إنّهم مع وجود الموانع الكثيرة قد كتبوا في أجوبة المسائل الكلامية أو الفقهية ، كما و كتبوا العديد من الرّسائل في المسائل الهامّة ، كالتوحيد و الإمامة و الحقوق و العلل و ... .