225
مكاتيب الأئمّة ج5

القُوَّةِ البَلغَميَّةِ .
وَ قَد ذَكَرتُ لِأَميرِ المُؤمِنينَ جَميعَ ما يَحتاجُ إلَيهِ في سياسَةِ المِزاجِ ، وَ أَحوالَ جِسمِهِ ، وَ علاجَهُ .
وَ أَنا أَذكُرُ ما يَحتاجُ إِلى تَناوِلِهِ مِنَ الأَغذيَةِ وَ الأَدويَةِ ، وَ ما يَجِبُ أَن يَفعَلَهُ في أوقاتِهِ :
فَإِذا أَرَدتَ الحِجامَةَ فَليَكُن في اثنَي عَشرَةَ لَيلَةً مِن الهِلالِ إِلى خَمسَ عَشَرَةَ ، فَإِنَّهُ أَصَحُّ لِبَدَنِكَ ، فَإِذا انقَضى الشَّهرُ فَلا تَحتَجِم ، إِلَا أَن تَكون مُضطَرّا إِلى ذلِكَ ، وَ هوَ لِأَنَّ الدَّمَ يَنقُصُ في نُقصانِ الهِلالِ ، وَ يَزيدُ في زيادَتِهِ ، وَ لتَكُن الحِجامَةُ بِقَدرِ ما يَمضي مِنَ السِّنينَ ، ابنُ عِشرينَ سَنَةً يَحتَجِمُ في كُلِّ عِشرينَ يَوما ، وَ ابنُ الثَّلاثينَ في كُلِّ ثَلاثين يَوما مَرَّةً واحِدَةً ، وَ كَذلِكَ مَن بَلَغَ مِنَ العُمرِ أَربَعينَ سَنَةً يَحتَجِمُ في كُلِّ أَربعينَ يَوما مَرَّةً ، وَ ما زادَ فَبِحَسَب ذلِكَ .
وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَنَّ الحِجامَةَ إِنَّما تَأخُذُ دَمُها مِن صِغارِ العُروقِ المَبثوثَةِ في اللَّحمِ ، وَ مِصداقُ ذلِكَ ما أَذكُرُهُ أَنَّها لا تُضَعِّفُ القُوّةَ كَما يوجَدُ مِنَ الضَّعفِ عِندَ الفَصدِ . وَ حِجامَةُ النُّقرَةِ تَنفَعُ مِن ثِقلِ الرَّأسِ ، وَ حِجامَةُ الأَخدَعَينِ تُخَفِّفُ عَنِ الرَّأسِ وَ الوَجهِ وَ العَينَينِ ، وَ هيَ نافِعَةٌ لِوَجعِ الأَضراسِ . وَ رُبَّما نابَ الفَصدُ عَن جَميعِ ذلِكَ . وَ قَد يُحتَجَمُ تَحتَ الذَّقَنِ لِعلاجِ القُلاعِ في الفَمِ ، وَمِن فَسادِ اللَّثَّةِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِن أَوجاعِ الفَمِ . وَ كَذلِكَ الحِجامَةُ بَينَ الكَتِفَينِ تَنفَعُ مِنَ الخَفَقانِ الّذي يَكونُ مِنَ الاِمتِلاءِ وَ الحَرارَةِ ، وَ الّذي يُوضَعُ عَلى السَّاقَينِ قَد يَنقُصُ مِنَ الاِمتِلاءِ نَقصَا بَيِّنا ، وَ يَنفَعُ مِنَ الأَوجاعِ المُزمِنَةِ فِي الكُلى وَ المَثانَةِ وَ الأَرحامِ ، وَ يُدِرُّ الطَّمثَ ، غَيرَ أَنَّها تَنهَكُ الجَسَدَ ، وَ قَد يَعرِضُ مِنها الغَشيُ الشَّديدُ ، إِلّا أَنَّها تَنفَعُ ذَوي البُثورِ وَ الدَّماميلِ .
وَ الّذي يُخَفِّفُ مِن أَلَمِ الحِجامَةِ تَخفيفُ المَصِّ عِندَ أَوَّلِ ما يَضَعُ المَحاجِمَ ، ثُمَّ يُدَرِّجُ المَصَّ قَليلاً قَليلاً ، وَ الثَّواني أَزيَدُ في المَصِّ مِنَ الأَوائِلِ ، وَ كَذلِكَ الثَّوالِثُ فَصاعِدا . وَ يَتَوَقَّفُ عَنِ الشَّرطِ حَتَّى يَحمَرَّ المَوضِعُ جَيِّدا بِتَكريرِ المَحاجِمِ عَلَيهِ ، وَ يُلَيِّنُ المِشراطَ عَلى جُلودٍ لَيِّنَةٍ ، وَ يَمسَحُ المَوضِعَ قَبلَ شَرطِهِ بِالدُّهنِ . وَ كَذلِكَ الفَصدُ يَمسَحُ المَوضِعَ الّذي يَفصِدُ فيهِ بِالدُّهنِ ،


مكاتيب الأئمّة ج5
224

أُصولَها مِنَ الآفاتِ العارِضَةِ . وَ مَن أَرادَ أَن يُبَيِّضُ أَسنانَهُ فَليَأخُذ جُزءً مِن مِلحٍ أَندَرانيّ ، وَ مِثلُهُ زَبَدَ البَحرِ ، فَيَسحَقُهُما ناعِما وَيَستَنَّ بِهِ .
وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ : أَحوالُ الإِنسانِ الَّتي بَناهُ اللّهُ تَعالى عَلَيها وَ جَعَلَهُ مُتَصَرِّفا بِها ، فَإِنَّها أَربَعَةُ أَحوالٍ :
الحالَةُ الأُولى : لِخَمسَ عَشرَةَ سَنَةً ، وَ فيها شَبابُهُ وَ حُسنُهُ وَبَهاؤُهُ ، وَ سُلطانُ الدَّمِ في جِسمِهِ .
ثُمَّ الحالَةُ الثَّانيةُ : مِن خَمسَةٍ وَ عِشرينَ سَنَةً إِلى خَمسٍ وَ ثَلاثينَ سَنَةً ، وَ فيها سُلطانُ المِرَّةِ الصَّفراءِ ، وَقُوَّةُ غَلَبَتِها عَلى الشَّخصِ ، وَ هيَ أَقوى ما يَكونُ . وَ لا يَزالُ كَذلِكَ حَتَّى يَستَوفيَ المُدَّةَ المَذكورَةَ ، وَ هيَ خَمسٌ وَ ثَلاثونَ سَنَةً .
ثُمَّ يَدخُلُ في الحالَةِ الثَّالِثةِ : إلى أَن تَتَكامَلَ مُدَّةُ العُمرِ سِتِّينَ سَنَةً ، فَيَكونُ في سُلطانِ المِرَّةِ السَّوداءِ ، وَ هيَ سِنِّ الحِكمَةِ ، وَ المَوعِظَةِ ، وَ المَعرِفَةِ ، وَ الدِّرايَةِ ، وَ انتِظامِ الأُمورِ ، وَ صِحَّةِ النَّظَرِ في العَواقِبِ ، وَ صِدقِ الرَّأيِ ، وَ ثَباتِ الجأشِ ۱ في التَّصرّفاتِ .
ثُمَّ يَدخُلُ في الحالَةِ الرَّابِعَةِ : وَ هيَ سُلطانُ البَلغَمِ ، وَ هيَ الحالَةُ الَّتي لا يَتَحَوَّلُ عَنها ما بَقيَ إِلَا إِلى الهَرِمِ ، وَ نَكِدِ عَيشٍ ۲ ، وَ ذُبولٍ ، وَ نَقصٍ في القُوَّةِ ، وَ فَسادٍ في كَونِهِ ، وَ نِكتَتَهُ أَنَّ كُلَّ شَيءٍ كانَ لا يَعرِفُهُ حَتَّى يَنامَ عِندَ القُوَّةِ ، وَ يَسهَرَ عِندَ النَّومِ ، وَ لا يَتَذكَّرَ ما تَقَدَّمَ ، وَ يَنسى ما يُحَدِّثُ في الأَوقاتِ ، وَ يَذبَلَ ۳ عودُهُ ، وَ يَتَغَيَّرَ مَعهودُهُ ، وَ يَجُفَّ ماءُ رَونَقِهِ وَ بَهائِهِ ، وَ يَقُلَّ نَبتَ شَعرِهِ وَ أَظفارِهِ ، وَ لا يَزالُ جِسمُهُ في انعِكاسٍ وَ إِدبارٍ ما عاشَ ؛ لِأَنَّهُ في سُلطانِ المِرَّةِ البَلغَمِ . وَ هوَ بارِدٌ وَ جامِدٌ ، فَبِجُمودِهِ وَ بَردِهِ يَكونُ فَناءُ كُلَّ جِسمٍ يَستَولي عَلَيهِ في آخِرِ

1.في القاموس المحيط : الجأش : رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع (ج ۲ ص ۲۶۴ ، العين : ج ۶ ص ۱۵۸ ، لسان العرب : ح ۶ ص ۲۶۹ « جأش » ) .

2.نكد عيشهم ـ كفرح ـ : اشتدّ.

3.يذبل : بالذّال المعجمة والباء الموحّدة ، يقال : ذبل النّبات ـ كنصر وكرم ـ ذبلاً وذبولاً: ذوي ، وذبل الفرس : ضمر . وفي بعض النّسخ بالياء المثنّاة التّحتانيّة ، من قولهم : ذالت المرأة أي : هزلت (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۲۵۵ « ذبل » ) .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    فرجی، مجتبی
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 110793
صفحه از 464
پرینت  ارسال به