الكِتابِ وَ حَرَّفوا حُدودَهُ ، فَهُم مَعَ السّادَةِ وَ الكُبُرَّةِ ، فَإِذا تَفَرَّقَت قادَةُ الأَهواءِ ، كانوا مَعَ أَكثَرِهِم دُنيا ، وَ ذلِكَ مَبلَغُهُم مِنَ العِلمِ لا يَزالونَ كَذلِكَ في طَبَعٍ و طَمَعٍ ، لا يَزالُ يُسمَعُ صَوتُ إِبليسَ عَلى أَلسِنَتِهِم بِباطِلٍ كَثيرٍ ، يَصبِرُ مِنهُمُ العُلَماءُ عَلى الأَذى وَ التَّعنيفِ ، وَ يعيبونَ عَلى العُلَماءِ بِالتَّكليفِ ، وَ العُلَماءُ في أَنفُسِهِم خانَةٌ إِن كَتَموا النَّصيحَةَ ، إن رَأَوا تائِهاً ضالّاً لا يَهدونَهُ ، أَو مَيّتاً لا يُحيونَهُ ، فَبِئسَ ما يَصنَعونَ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى أَخَذَ عَليهِمُ الميثاقَ في الكِتابِ أَن يَأمُروا بِالمَعروفِ وَ بِما أُمِروا بِهِ ، وَ أَن يَنهَوا عَمّا نُهوا عَنهُ ، وَ أَن يَتَعاوَنوا عَلى البِرِّ وَ التَّقوى ، وَ لا يَتَعاوَنوا عَلى الإِثمِ وَ العُدوانِ ، فَالعُلَماءُ مِنَ الجُهّالِ في جَهدٍ وَ جِهادٍ ، إِن وَعَظَت قالوا : طَغَت ، وَ إن عَلَّموا الحقَّ الَّذي تَرَكوا قالوا : خالَفَت ، وَ إِن اعتَزَلوهُم قالوا : فارَقَت ، وَ إِن قالوا هاتوا بُرهانَكُم على ما تُحدِّثونَ قالوا : نافَقَت ، وَ إِن أَطاعوهُم قالوا : عَصَتِ اللّهَ عز و جل ، فَهَلَكَ جُهَّالٌ فيما لا يَعلَمونَ ، أُمِّيّونَ فيما يَتلونَ ، يُصَدِّقونَ بِالكِتابِ عِندَ التَّعريفِ ، وَ يُكَذِّبونَ بِهِ عِندَ التَّحريفِ ، فَلا يُنكِرونَ ، أُولئِكَ أَشباهُ الأَحبارِ وَ الرُّهبانِ ، قادَةٌ في الهَوى ، سادَةٌ في الرَّدى .
وَآخَرونَ مِنهُم جُلوسٌ بَينَ الضَّلالَهِ وَالهُدَى،لايَعرِفونَ إِحدى الطّائِفَتَينِ مِنَ الأُخرى، يَقولونَ : ما كانَ النّاسُ يَعرِفونَ هذا ، وَ لا يَدرونَ ما هوَ ، وَ صَدَّقوا تَركَهُم رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى البَيضاءِ لَيلُها مِن نَهارِها ، لَم يَظهَر فيهِم بِدعَةٌ ، وَ لَم يُبَدَّل فيهِم سُنَّةٌ ، لا خِلافَ عِندَهُم وَ لا اختِلافَ ، فَلَمّا غَشي النّاسَ ظُلمَةُ خَطاياهُم صارَوا إِمامَينِ دَاعٍ إِلى اللّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى ، وَ داعٍ إِلى النّارِ ، فَعِندَ ذلِكَ نَطَقَ الشَّيطانُ فَعَلا صَوتُهُ عَلى لِسانِ أَوليائِهِ ، وَ كَثُرَ خَيلُهُ وَ رَجلُهُ ، وَ شارَكَ في المالِ وَالوَلَدِ مَن أَشرَكَهُ ، فَعُمِلَ بِالبِدعَةِ ، وَ تُرِكَ الكِتَابُ وَ السُّنَّةُ ، وَ نَطَقَ أَولياءُ اللّهِ بِالحُجَّةِ ، وَ أَخَذوا بِالكِتابِ وَ الحِكمَةِ ، فَتَفَرَّقَ مِن ذلِكَ اليَومِ أَهلُ الحَقِّ وَ أَهلُ الباطِلِ ، وَ تَخاذَلَ وَ تَهادَنَ أَهلُ الهُدَى ، وَ تَعاوَنَ أَهلُ الضَّلالَةِ ، حَتّى كانَت الجَماعَةُ مَعَ فُلانٍ وَ أَشباهِهِ . فَاعرِف هذا الصِّنفَ وَ صِنفٌ آخَرُ ، فَأَبصِرِهُم رَأيَ العَينِ نُجَباءُ ، وَالزَمهُم حَتّى تَرِدَ أَهلَكَ إنّ « الْخَـسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَـمَةِ أَلَا ذَ لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ » .
[ إلى هاهنا رواية الحسين ، و في رواية محمّد بن يحيى زيادةٌ ] :