433
مكاتيب الأئمّة ج5

الكِتابِ وَ حَرَّفوا حُدودَهُ ، فَهُم مَعَ السّادَةِ وَ الكُبُرَّةِ ، فَإِذا تَفَرَّقَت قادَةُ الأَهواءِ ، كانوا مَعَ أَكثَرِهِم دُنيا ، وَ ذلِكَ مَبلَغُهُم مِنَ العِلمِ لا يَزالونَ كَذلِكَ في طَبَعٍ و طَمَعٍ ، لا يَزالُ يُسمَعُ صَوتُ إِبليسَ عَلى أَلسِنَتِهِم بِباطِلٍ كَثيرٍ ، يَصبِرُ مِنهُمُ العُلَماءُ عَلى الأَذى وَ التَّعنيفِ ، وَ يعيبونَ عَلى العُلَماءِ بِالتَّكليفِ ، وَ العُلَماءُ في أَنفُسِهِم خانَةٌ إِن كَتَموا النَّصيحَةَ ، إن رَأَوا تائِهاً ضالّاً لا يَهدونَهُ ، أَو مَيّتاً لا يُحيونَهُ ، فَبِئسَ ما يَصنَعونَ ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى أَخَذَ عَليهِمُ الميثاقَ في الكِتابِ أَن يَأمُروا بِالمَعروفِ وَ بِما أُمِروا بِهِ ، وَ أَن يَنهَوا عَمّا نُهوا عَنهُ ، وَ أَن يَتَعاوَنوا عَلى البِرِّ وَ التَّقوى ، وَ لا يَتَعاوَنوا عَلى الإِثمِ وَ العُدوانِ ، فَالعُلَماءُ مِنَ الجُهّالِ في جَهدٍ وَ جِهادٍ ، إِن وَعَظَت قالوا : طَغَت ، وَ إن عَلَّموا الحقَّ الَّذي تَرَكوا قالوا : خالَفَت ، وَ إِن اعتَزَلوهُم قالوا : فارَقَت ، وَ إِن قالوا هاتوا بُرهانَكُم على ما تُحدِّثونَ قالوا : نافَقَت ، وَ إِن أَطاعوهُم قالوا : عَصَتِ اللّهَ عز و جل ، فَهَلَكَ جُهَّالٌ فيما لا يَعلَمونَ ، أُمِّيّونَ فيما يَتلونَ ، يُصَدِّقونَ بِالكِتابِ عِندَ التَّعريفِ ، وَ يُكَذِّبونَ بِهِ عِندَ التَّحريفِ ، فَلا يُنكِرونَ ، أُولئِكَ أَشباهُ الأَحبارِ وَ الرُّهبانِ ، قادَةٌ في الهَوى ، سادَةٌ في الرَّدى .
وَآخَرونَ مِنهُم جُلوسٌ بَينَ الضَّلالَهِ وَالهُدَى،لايَعرِفونَ إِحدى الطّائِفَتَينِ مِنَ الأُخرى، يَقولونَ : ما كانَ النّاسُ يَعرِفونَ هذا ، وَ لا يَدرونَ ما هوَ ، وَ صَدَّقوا تَركَهُم رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلى البَيضاءِ لَيلُها مِن نَهارِها ، لَم يَظهَر فيهِم بِدعَةٌ ، وَ لَم يُبَدَّل فيهِم سُنَّةٌ ، لا خِلافَ عِندَهُم وَ لا اختِلافَ ، فَلَمّا غَشي النّاسَ ظُلمَةُ خَطاياهُم صارَوا إِمامَينِ دَاعٍ إِلى اللّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى ، وَ داعٍ إِلى النّارِ ، فَعِندَ ذلِكَ نَطَقَ الشَّيطانُ فَعَلا صَوتُهُ عَلى لِسانِ أَوليائِهِ ، وَ كَثُرَ خَيلُهُ وَ رَجلُهُ ، وَ شارَكَ في المالِ وَالوَلَدِ مَن أَشرَكَهُ ، فَعُمِلَ بِالبِدعَةِ ، وَ تُرِكَ الكِتَابُ وَ السُّنَّةُ ، وَ نَطَقَ أَولياءُ اللّهِ بِالحُجَّةِ ، وَ أَخَذوا بِالكِتابِ وَ الحِكمَةِ ، فَتَفَرَّقَ مِن ذلِكَ اليَومِ أَهلُ الحَقِّ وَ أَهلُ الباطِلِ ، وَ تَخاذَلَ وَ تَهادَنَ أَهلُ الهُدَى ، وَ تَعاوَنَ أَهلُ الضَّلالَةِ ، حَتّى كانَت الجَماعَةُ مَعَ فُلانٍ وَ أَشباهِهِ . فَاعرِف هذا الصِّنفَ وَ صِنفٌ آخَرُ ، فَأَبصِرِهُم رَأيَ العَينِ نُجَباءُ ، وَالزَمهُم حَتّى تَرِدَ أَهلَكَ إنّ « الْخَـسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَـمَةِ أَلَا ذَ لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ » .
[ إلى هاهنا رواية الحسين ، و في رواية محمّد بن يحيى زيادةٌ ] :


مكاتيب الأئمّة ج5
432

وَ بِالتَّقوى نَجا نوحٌ وَمَن مَعَهُ في السَّفينَةِ ، وَ صالِحٌ وَ مَن مَعَهُ مِنَ الصّاعِقَةِ ، وَ بِالتَّقوى فازَ الصّابِرونَ ، وَ نَجَت تِلكَ العُصَبُ مِنَ المَهالِكِ ، وَ لَهُم إِخوانٌ عَلى تِلكَ الطَّريقَةِ يَلتَمِسونَ تِلكَ الفَضيلَةِ ، نَبَذوا طُغيانَهُم مِنَ الإيرادِ بِالشَّهَواتِ لِما بَلَغَهُم في الكِتابِ مِنَ المَثُلاتِ ، حَمِدوا رَبَّهُم عَلى ما رَزَقَهُم ، وَ هوَ أَهلُ الحَمدِ ، وَ ذَمّوا أنفُسَهُم عَلى ما فَرَّطوا ، وَ هُم أَهلُ الذَّمِّ .
وَ عَلِموا أَنَّ اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى الحَليمَ العَليمَ ، إِنَّما غَضَبُهُ عَلى مَن لَم يَقبَل مِنهُ رِضاهُ ، وَ إِنَّما يَمنَعُ مَن لَم يَقبَل مِنهُ عَطاهُ ، و إِنَّما يُضِلُّ مَن لَم يَقبَل مِنهُ هُداه ، ثُمَّ أَمكَنَ أَهلَ السَّيِّئاتِ مِنَ التَّوبَةِ بِتَبديلِ الحَسَناتِ ، دَعا عِبادَهُ في الكِتابِ إِلى ذلِكَ بِصَوتٍ رَفيعٍ لَم يَنقَطِع ، وَ لم يَمنَع دُعاءَ عِبادِهِ ، فَلَعَنَ اللّهُ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلَ اللّهُ ، وَ كَتَبَ عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ ، فَسَبَقَت قَبلَ الغَضَبِ فَتَمَّت صِد قاً وَ عَدلاً ، فَلَيسَ يَبتَدئُ العِبادِ بِالغَضَبِ قَبلَ أَن يُغضِبوهُ ، وَ ذلِكَ مِن عِلمِ اليَقينِ وَ عِلمِ التَّقوى .
وَ كُلُّ أُمَّةٍ قَد رَفَعَ اللّهُ عَنهُم عِلمَ الكِتابِ حينَ نَبَذُوهُ ، وَوَلَاهُم عَدُوَّهُم حينَ تَوَلَّوهُ ، وَ كانَ مِن نَبذِهِمُ الكِتابَ أَن أَقاموا حُرُوفَهُ ، وَ حَرَّفوا حُدودَهُ ، فَهُم يَروونَهُ وَ لا يَرعَونَهُ ، وَ الجُهّالُ يُعجِبُهُم حِفظُهُم لِلرِّوايَةِ ، وَ العُلَماءُ يَحزُنُهُم تَركُهُم لِلرِّعايَةِ . وَ كانَ مِن نَبذِهِم الكِتابَ أَن وَلَّوهُ الَّذينَ لا يَعلَمونَ ، فَأَورَدوهُم الهَوى ، وَ أَصدَروهُم إِلى الرَّدى ، وَ غَيَّروا عُرى الدّين ، ثُمَّ وَرَّثوهُ في السَّفَهِ وَ الصِّبا ، فالأُمَّةُ يَصدُرون عَن أَمرِ النّاسِ بَعدَ أَمرِ اللّهِ تَبارَكَ وَ تَعالى ، وَ عَلَيه يُرَدّون .
فَبِئسَ لِلظّالِمينَ بَدَلاً وَلايَةُ النّاس بَعدَ وَلايَةِ اللّهِ ، وَ ثَوابُ النّاسِ بَعدَ ثَوابِ اللّهِ ، وَرِضا النّاسِ بَعدَ رِضا اللّهِ ، فَأَصبَحتِ الاُمَّةُ كَذلِكَ ، وَ فيهِمُ المُجتَهِدونَ في العِبادَةِ عَلى تِلكَ الضَّلالَةِ ، مُعجَبونَ مَفتونونَ ، فَعِبادَتُهُم فِتنَةٌ لَهُم وَ لِمَن اقتدى بِهِم ، وَ قَد كانَ في الرُّسُلِ ذِكرى لِلعابِدينَ ، إِنَّ نَبيّاً مِنَ الأَنبياءِ كانَ يَستَكمِلُ الطّاعَةَ ، ثُمَّ يَعصي اللّهَ تَبارَكَ وَ تَعالى في البابِ الواحِدِ ، فَخَرَجَ بِهِ مِنَ الجَنَّةِ ، وَ يُنبَذُ بِهِ في بَطنِ الحوتِ ، ثُمَّ لا يُنَجّيهِ إِلَا الاعتِرافُ وَ التَّوبَةُ .
فاعرِف أَشباهَ الأَحبارِ وَ الرُّهبانِ ، الَّذينَ ساروا بِكِتمانِ الكِتابِ وَ تَحريفِهِ « فَمَا رَبِحَت تِّجَـرَتُهُمْ وَ مَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ » ، ثُمَّ اعرِف أَشباهَهُم مِن هذِهِ الأُمَّةِ ، الَّذينَ أَقاموا حُرُوفَ

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    فرجی، مجتبی
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 108779
صفحه از 464
پرینت  ارسال به