51
مكاتيب الأئمّة ج6

السُّتُرِ الرَّقِيقِ ، فَيَضرِبُها النَّخَّاسُ ، فَتَصرَخُ صَرخَةً رُومِيَّةً ، فَاعلَم إِنَّهَا تَقُولُ : وا هَتكَ سَترَاهُ .
فَيَقولُ بَعضُ المُبتَاعِينَ : عَلَيَّ بِثَلاثُمِئَةٍ دِينَارٍ ، فَقَد زَادَنِي العِفَافُ فِيهَا رَغبَةً ، فَتَقُولُ بِالعَرَبِيَّةِ : لَو بَرَزتَ فِي زَيِّ سُلِيمَانَ وَعَلَى مِثلِ سَرِيرِ مُلكِهِ ما بَدَت لِي فِيكَ رَغبَةٌ ، فَاشفَق عَلَى مَالِكَ .
فَيَقُولُ النَّخَّاسُ : فَمَا الحِيلَةُ وَلابُدَّ مِن بَيعِكِ ؟ فَتَقُولُ الجَارِيَةُ : وَمَا العَجَلَةُ وَلابُدَّ مِن اختِيارِ مُبتَاعٍ يَسكُنُ قَلبِي إلَيهِ وَإلَى أَمَانَتِهِ وَدِيَانَتِهِ ؟ فَعِندَ ذَلِكَ قُم إِلَى عُمَرَ بنِ يَزيدَ النَّخَّاسِ وَقُل لَهُ : إِنَّ مَعِي كِتَاباً مُلصَّقاً لِبَعضِ الأَشرَافِ ، كَتَبَهُ بِلُغَةٍ رُومِيَّةٍ وَخَطٍّ رُومِيٍّ ، وَوَصَفَ فِيهِ كَرَمَهُ وَوَفاءَهُ وَنُبلَهُ وَسَخاءَهُ ، فَناوِلُهَا لِتَتَأمَّلَ مِنهُ أَخلاقَ صَاحِبِهِ ، فَإِن مَالَت إِلَيهِ وَ رَضِيَتهُ ، فَأَنَا وَكيلُهُ فِي ابتِياعِهَا مِنكَ .

0.قال بشر بن سليمان النخّاس : فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمر الجارية ، فلمّا نَظَرَت في الكتاب بكت بكاءً شديداً ، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس : بعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمُحرِّجة والمُغَلِّظة 1 أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها .
فما زلت أُشاحُّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير في الشستقة الصفراء ، فاستوفاه وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها إلى الحُجيرة الّتي كنت آوى إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا عليه السلام من جيبها و هي تلثمه وتضعه على خدّها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها . فقلت تعجّباً منها : تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه ؟
فقالت : أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء ، أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك ، أنا مليكة بنت يشوعا 2 بن قيصر ملك الروم ، واُمّي من وُلد الحواريّين ، تُنسب إلى وصيّ المسيح شمعون ، اُنبّئك العجب العجيب ، أنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني

1.المحرّجة : اليمين الّذي يضيق المجال على الحالف ولا يبقى له مندوحة عن برّ قسمه . والمغلظة : المؤكّدة .

2.وفي هامش المصدر : في بعض النسخ :«يوشعا» بدل «يشوعا» .


مكاتيب الأئمّة ج6
50

قال : كان مولانا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ عليهماالسلام فقّهني في أمر الرقيق ، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلّا بإذنه ، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات ، حتّى كملت معرفتي فيه ، فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام ، فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسرَّ مَن رَأى وقد مضى هَويٌّ 1 من الليل ، إذ قرع الباب قارع ، فعدوت مسرعاً فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهماالسلام يدعوني إليه ، فلبست ثيابي ، ودخلت عليه ، فرأيته يحدِّث ابنه أبا محمّد واُخته حكيمة من وراء الستر ، فلمّا جلست قال :يا بِشرُ ، إِنَّكَ مِن وُلدِ الأَنصَارِ ، وَهَذِهِ الوَلايَةُ لَم تَزَل فِيكُم يَرِثُهَا خَلَفٌ عَن سَلَفٍ ، فَأَنتُم ثِقَاتُنَا أَهلَ البَيتِ ، وَإِنِّي مُزَكِّيكَ وَمُشَرِّفُكَ بِفَضِيلَةٍ تَسبِقُ بِها شَأوَ 2 الشِّيعَةِ 3 في المُوَالاةِ بِها ، بِسِرٍّ أَطلَّعُكَ عَلَيهِ ، وَأُنفِذُكَ في ابتِياعِ أَمَةٍ .
فكتب كتاباً ملصقاً 4 بخطٍّ رومي ولغةٍ روميّة ، وطبع عليه بخاتمه ، وأخرج شستقة 5 صفراء فيها مئتان وعشرون ديناراً ، فقال :
خُذهَا وَتَوَجَّه بِهَا إِلَى بَغدَادَ ، واحضُر مَعبَرَ الفُرَاتِ ضَحوَةَ كَذَا ، فَإِذَا وَصَلت إِلَى جَانِبِكَ زَوَارِقُ السَّبَايَا وَبَرَزنَ الجَوَارِيَ مِنَها ، فَسَتَحدِقُ بِهِم طَوَائِفُ المُبتَاعِينَ مِن وُكَلاءِ قُوَّادِ بَنِي العَبَّاسِ وَشَرَاذِمُ مِن فِتيَانِ العِرَاقِ ، فَإِذَا رَأَيتَ ذَلِكَ فَأَشرِف مِنَ البُعدِ عَلَى المُسَمَّى عُمَرَ بنَ يَزِيدٍ النَّخَّاسَ عَامَّةَ نَهَارِكَ ، إِلَى أَن تَبرُزَ لِلمُبتَاعِينَ جَارِيَةٌ صَفَتُها كَذَا وَكَذَا ، لابِسَةٌ حَرِيرَتَينِ صَفِيقَتَينِ ، تَمتَنِعُ مِنَ السُّفُورِ وَلَمسِ المُعتَرِضِ ، وَالِانقِيادِ لِمَن يُحَاوِلُ لَمسَها وَيَشغِلُ نَظَرَهُ بِتَأَمُّلِ مَكَاشِفَهَا مِن وَرَاءِ

1.أي زماناً غير قليل .

2.الشأو : الأمد والغاية ، يقال : فلان بعيد الشأو ، أي عالي الهمّة .

3.في هامش المصدر : «سائر الشيعة» بدل «شأو الشيعة» .

4.في هامش المصدر : في بعض النسخ « مطلقاً» بدل « ملصقاً » ، وبعض النسخ الاُخرى « ملفقاً » بدل « ملصقاً » .

5.في هامش المصدر : كذا في أكثر النسخ ، وفي بعض النسخ « الشنسقة » بدل « شستقة » . والظاهر الصواب : « الشنتقة » معرّب « چنته » . وفي بحار الأنوار : «الشقة» ـ وهي بالكسر والضم ـ : السبيبة المقطوعة من الثياب المستطيلة . وعلى أيٍّ ، المراد : الصرّة الّتي يُجعل فيها الدنانير .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج6
    سایر پدیدآورندگان :
    فرجی، مجتبی
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 102780
صفحه از 453
پرینت  ارسال به