53
مكاتيب الأئمّة ج6

محمّد صاحب هذا الكتاب .
فنظر المسيح إلى شمعون فقال له : قَد أَتَاكَ الشَّرَفُ ، فَصِلَ رَحِمَكَ بِرَحِمِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .
قال : قد فعلت . فصعد ذلك المنبر وخطب محمّد صلى الله عليه و آله ، وزوّجني ، وشهد المسيح عليه السلام ، وشهد بنو محمّد صلى الله عليه و آله والحواريّون . فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل ، فكنت أسرُّها في نفسي ولا أبديها لهم ، وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد ، حتّى امتنعت من الطعام والشراب ، وضعفت نفسي ودقّ شخصي ، ومرضتُ مرضاً شديداً ، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلّا أحضره جدّي وسأله عن دوائي ، فلمّا برَّح ۱ به اليأس قال : يا قرّة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فاُزوِّدكها في هذه الدنيا ؟
فقلت : يا جدّي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة ، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من اُسارى المسلمين ، وفككت عنهم الأغلال ، وتصدّقت عليهم ومننتهم بالخلاص ، لرجوت أن يهب المسيح واُمّه لي عافية وشفاء . فلمّا فعل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصحّة في بدني ، وتناولت يسيراً من الطعام ، فسرّ بذلك جدّي ، وأقبل على إكرام الاُسارى إعزازهم ، فرأيت أيضاً بعد أربع ليالٍ كأنّ سيّدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنّان ، فتقول لي مريم :
هَذِهِ سَيِّدَةُ النِّسَاءِ اُمُّ زَوجِكَ أَبِي مُحَمَّدٍ عليه السلام . فأتعلّق بها وأبكي ، وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي . فقالت لي سيّدة النساء عليهاالسلام :
إِنَّ ابنِي أَبَا مُحَمَّدٍ لا يَزورُكِ وَأَنتِ مُشرِكَةٌ بِاللّهِ وَعَلَى مَذهَبِ النَّصَارَى ، وَهَذِهِ أُختِي مَريَمُ تَبرَأُ إِلَى اللّهِ تَعَالَى مِن دِينِكِ ، فَإِن مِلتِ إِلَى رِضَا اللّهِ عز و جل وَرِضَا المَسِيحِ وَمَريَمَ عَنكِ ، وَزِيَارَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ إِيَّاكِ ، فَتَقُولِي : أَشهَدُ أَن لا إِله إِلَا اللّهُ ، وَأَشهَدُ أَنَّ ـ أَبِي ـ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللّهِ . فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ، ضمّتني سيّدة النساء إلى صدرها فطيّبت لي نفسي ، وقالت : الآنَ تَوَقَّعِي زِيَارَةَ أَبِي مُحَمَّدٍ إِيَّاكِ ، فَإِنِّي مُنفِذَتُهُ إِلَيكِ .

1.برّح به الأمر تبريحاً : جهده وأضرّ به .


مكاتيب الأئمّة ج6
52

من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة ، فجمع في قصره من نسل الحواريّين ومن القسّيسين والرُّهبان ثلاثمئة رجل ، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمئة رجل ، وجمع من اُمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف ، وأبرز من بهو 1 مُلكه عرشاً مُساغاً 2 من أصناف الجواهر إلى صحن القصر ، فرفعه فوق أربعين مرقاة ، فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت الصلبان وقامت الأساقفه عكفاً ونشرت أسفار الإنجيل ، تسافلت الصُّلُب من الأعالي فلصقت بالأرض ، وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار ، وخرّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه ، فتغيّرت ألوان الأساقفة ، وارتعدت فرائصهم ، فقال كبيرهم لجدّي : أيّها الملك ، أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحيو المذهب المَلِكاني 3 .
فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً ، وقال للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة ، وارفعوا الصلبان ، وأحضروا أخا هذا المُدبَر العاثر 4 المنكوس جدُّه ؛ لأزوّج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده ، فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأوّل .
وتفرّق الناس ، وقام جدّي قيصر مغتمّاً ، ودخل قصره واُرخيت الستور ، فاُريت في تلك الليلة كأنّ المسيح والشمعون وعدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي ، ونصبوا فيه منبراً يباري 5 السماء علوّاً وارتفاعاً ، في الموضع الّذي كان جدّي نصب فيه عرشه ، فدخل عليهم محمّد صلى الله عليه و آله مع فتيةٍ وعدَّة من بنيه ، فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول :يا روحَ اللّهِ ، إِنِّي جِئتُكَ خَاطِبَاً مِن وَصِيِّكَ شَمعُونَ فَتاتَهُ مَلِيكَةَ لِابنِي هَذَا . وأومأ بيده إلى أبي

1.البهو : البيت المقدم أمام البيوت .

2.في هامش المصدر : في بعض النسخ : «وأبرز هو من ملكه عرشاً مصنوعاً» .

3.الملكانيّ : أصحاب ملكا الّذي ظهر بالروم واستولى عليها . ومعظم الروم ملكانيّة . قالوا : إنّ الكلمة اتّحدت بجسد المسيح ( راجع : الملل والنحل ) .

4.وفي الغيبة للطوسي : « العاهر » بدل « العاثر » ، في بعض النسخ : « العابر » .

5.يباري : أي يعارض .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج6
    سایر پدیدآورندگان :
    فرجی، مجتبی
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 102740
صفحه از 453
پرینت  ارسال به