165
منتخب نهج الذكر (عربي)

فالبهائم لا تدرك الشكر لأنها لا تمتلك العقل ، فالحمار لا يشكرك مهما أنعمت عليه أو قدمت له من خدمة ، ولكن العقل يدعو الإنسان إلى شكر ولي نعمته ، ولا شك في أن كل نعمة تصيب الإنسان ، هي من جانب اللّه .
«وَ مَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ» . ۱
على هذا الأساس فإنّ العقل يحكم بعدم وجود أحد يستحق الحمد والشكر أكثر من اللّه .
ولذلك يؤكّد الإمام علي عليه السلام قائلاً :
لَو لَم يَتَوَعَّدِ اللّهُ عَلى مَعصِيَتِهِ لَكانَ يَجِبُ ألّا يُعصى شُكرا لِنِعَمِهِ .۲
بناء على ذلك ، فكلّما ازداد نصيب الإنسان من العقل وابتعد أكثر عن حدود الحيوانية ازداد حمده للّه ـ تعالى ـ وشكره له بلسانه وعمله ، وكلما اقترب أكثر من حد البهيمية ، قلّ حمده وشكره .

سرّ محبّة اللّه عز و جل للحمد

من خلال التأمّل في الملاحظة السابقة ، يتضح لنا سرّ حبّ اللّه ـ سبحانه ـ للحمد ، فقد ورد التأكيد في عدد من الأحاديث أنه ـ تعالى ـ يحب أن يمدح بل إنّ مدحه أحب شيء له . ۳ كما يعرف بذلك الجواب على السؤال التالي : لماذا يحب اللّه أن يمدح ، مع أنه غني بالذات ولا يحتاج إلى مدح الآخرين؟
إنّ سرّ حبّ اللّه ـ تعالى ـ للحمد هو أنّه يريد أن يوظف البشر عقولهم ما استطاعوا وأن يبتعدوا عن البهائم ، وبذلك يقتربون من هدف خلقهم ، ولا شك في أن وصول الإنسان إلى هذا الهدف لا يتحقق إلّا من خلال الشكر اللساني والعملي لخالقهم والمنعم الحقيقي عليهم .

1.النحل : ۵۳ .

2.نهج البلاغة : الحكمة ۲۹۰. راجع : ميزان الحكمة : ج ۶ (شكر المنعم : ح ۹۷۴۵) .

3.راجع : ص ۱۷۱ (أحبّ الأشياء إلى اللّه عز و جل) .


منتخب نهج الذكر (عربي)
164

وبناء على ذلك ، فإن التفسير المذكور لا ينفي ضرورة الشكر العملي على النعم الإلهيّة والذي ورد التأكيد عليه في الروايات الأخرى ، بل إن الحمد الصادق يستوجب أن يكون الحامد شاكرا من الناحية العملية أيضا على النعم الإلهيّة .

الحدّ بين الإنسان والحيوان

لقد ذكرت في الكتاب والسنّة ، ملاحظات بالغة الأهمية حول حمد اللّه ـ تعالى ـ ومدحه وآثارهما وبركاتهما وهي جميعا دالّة على أهمية هذا الذكر ودوره البنّاء في بناء الإنسان ، سوف نستعرض هذه الملاحظات في أربعة عناوين ، ونكتفي هنا بالإشارة إلى ملاحظة دقيقة للغاية في دعاء الإمام السجاد عليه السلام وهي أن «الحمد» هو الحد بين الإنسان والحيوان ، وإذا ما أزيل هذا الحاجز ، خرج الإنسان من حد الإنسانية ودخل في نطاق البهائم ، وقد جاء دعاؤه عليه السلام في أوّل الصحيفة السجّادية وهو :
وَالحَمدُ للّهِِ الَّذي لَو حَبَسَ عَن عِبادِهِ مَعرِفَةَ حَمدِهِ عَلى ما أبلاهُم مِن مِنَنِهِ المُتَتابِعَةِ ، وأسبَغَ عَليهِم مِن نِعَمِهِ المُتَظاهِرَةِ ؛ لَتَصَرَّفوا في مِنَنِهِ فَلَم يَحمَدوهُ ، وتَوَسَّعوا في رِزقِهِ فَلَم يَشكُروهُ ، ولَو كَانوا كَذلِكَ لَخَرَجوا مِن حُدودِ الإِنسانِيَّةِ إلى حَدِّ البَهيمِيَّةِ ، فَكانوا كَما وَصَفَ في مُحكَمِ كِتابِهِ :«إِنْ هُمْ إِلَا كَالْأَنْعَـمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً»۱.۲
بعبارة اُخرى فإنّ الشكر من جنود العقل والكفران من جنود الجهل ، كما نقل عن الإمام الصادق عليه السلام في بيان جنود العقل والجهل :
وَالشُّكرُ وضِدُّهُ الكُفرانُ .۳

1.الفرقان : ۴۴ .

2.الصحيفة السجّاديّة : ص ۱۹ الدعاء ۱ .

3.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (القسم الثاني / الفصل الخامس / جنود العقل والجهل : ح ۳۱۱) .

  • نام منبع :
    منتخب نهج الذكر (عربي)
    سایر پدیدآورندگان :
    الافقی، رسول
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 62884
صفحه از 368
پرینت  ارسال به