الأُولى ـ الذاكر من الأرجاس الأخلاقية والعملية ويهيى ء الأرضية للاقتراب من بساط القرب الإلهي ويقرب الإنسان في الخطوة الثانية من ربّه ، فيأنس الإنسان إلى اللّه تدريجيا ويعشقه ، وفي الخطوة الثالثة تهيى ء المحبة الحقيقية أرضية المعرفة واللقاء القلبي للّه الذي هو غاية مقاصد العرفاء ، والذاكرون الذين بلغوا هذه الغاية هم طلائع الصالحين والأبرار في القيامة . ۱
8. دور الذكر في تأمين خير الدنيا والآخرة
لقد أوضحنا في بداية هذا المقال أنّ أشمل بركات الذكر هو الذّكر المتبادل بينَ اللّهِ ـ تعالى ـ وذاكِرهِ وبالاستلهام من الكتاب وأحاديث أهل البيت ، فسَّرنا ذكر اللّه لذاكره بالقضاء على آفات الحياة وبناء الروح وظهور العلم والحكمة والعصمة الباطنية ، والعمل الصالح والذكر الحسن وتأمين الرفاه المادي ، وأخيرا الحصول على إكسير محبة اللّه والغاية الإنسانية العليا .
والآن نقول إن أشمل تفسير لذكر اللّه المتبادل ، هو تأمين خير دنيا الذاكر وآخرته . وقد استلهمنا هذا التفسير من الكلام الدقيق الجميل للإمام زين العابدين عليه السلام ـ في الصحيفة السجّادية ـ في مقام الدعاء ، حيث يناجي اللّه ـ تعالى ـ في ختام دعاء مكارم الأخلاق وكأنه يقدم خلاصة مطالبه من اللّه ـ سبحانه ـ :
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ ، ونَبِّهني لِذِكرِكَ في أوقاتِ الغَفلَةِ ، وَاستَعمِلني بِطاعَتِكَ في أيّام المُهلَةِ ، وَانهَج لي إلى مَحَبَّتِكَ سَبيلاً سَهلَةً ، أكمِل لي بِها خَيرَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ .۲
ويمكننا أن نستنبط من هذا الكلام الرائع أنه إذا ما تمت معالجة مرض الغفلة في الإنسان واستمر ذكر اللّه في قلبه ، فإن الذكر الحقيقي للّه هو الممهد لطاعته المطلقة ،